الإيمان بعذاب القبر

21- والإيمان بعذاب القبر. وأن هذه الأمة تُفْتَنُ في قبورها وتُسْأَل عن الإيمان والإسلام، ومَن ربه؟ ومن نبيه؟ ويأتيه منكر ونكير كيف شاء الله -عز وجل- وكيف أراد، والإيمان به والتصديق به. وهذا أيضًا مما يدخل في الإيمان باليوم الآخر، فكل ما بعد الموت فهو من اليوم الآخر من حين تخرج الروح من الجسد، يقال: مَن مات فقد قامت قيامته، وقد دخل فيما يكون بعد الموت. ومما يكون بعد الموت الإيمان بعذاب القبر، وبنعيمه نؤمن بذلك كما وردت بها الأحاديث الصحيحة الآيات والأحاديث في عذاب القبر ونعيمه كثيرة جدًّا، فمن ذلك: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "استجيروا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق" أورده الهندي في كنز العمّال (41510). وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن القبر أول منازل الآخرة، فإن مَن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده أشد منه". أخرجه الترمذي برقم (2308)، وابن ماجه برقم (4267)، وحسَّنه الألباني في المشكاة (232)، وصحيح الجامع (5499)، وحسنه الأرناؤط في جامع الأصول (11/ 165). وقد مَرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير...". أخرجه البخاري برقم (1378)، عن ابن عباس -رضي الله عنه-. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن هذه الأمة تُبتلى في قبورها، فلولا أن لا تدافنوا لدعوتُ الله أن يُسْمِعكم من عذاب القبر الذي أسمع". أخرجه مسلم برقم (2867)، عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-. وقوله: "إنه أوحي إلي أنكم تُفتنون في القبور". أخرجه البخاري برقم (86)، ومسلم برقم (903)، من حديث عائشة رضي الله عنها. والأحاديث في ذلك كثيرة، وفيما ذكر كفاية إن شاء الله. وكما ذكر ذلك، واستنبطه العلماء من القرآن من بعض الآيات والأدلة، وأنه يأتيه ملكان وردت تسميتهما منكر ونكير في بعض الروايات، وإنهما يسألانه مَن ربك؟ مَن نبيك؟ ما دينك؟ وأنه يفسح له في قبره إذا كان من المؤمنين، ويُضيق على الكافر قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، فيصير القبر روضة من رياض الجنة، أو حُفرة من حُفَر النار ونحو ذلك كما هو معروف لقد ورد ذكر منكر ونكير اللذين يسألان الميت في قبره في حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه-، وهو حديث طويل، وقد ورد فيه عذاب الكافر ونعيم المؤمن وأنه روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وغير ذلك. وحديث البراء أخرجه أبو داود برقم (4753)، والنسائي برقم (2058) بلفظ مختصر، وابن ماجه (4269) بلفظ مختصر، وأحمد في المسند (4/287، 288، 295، 296، 297)، والطيالسي (753)، والآجري في الشريعة (303/370)، وابن أبي شيبة (3/ 380/ 382)، وعبد الرزاق (6737)، والحاكم (1/ 37/ 40) وقال: صحيح على شرط الشيخين وأقره الذهبي، ووافقهما الألباني. انظر أحكام الجنائز (202). وصحَّحه ابن القيم في إعلام الموقعين (1/ 214). وفي الحديث: "إذا قُبِرَ الميتُ أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما:المنكر، والآخر: النكير، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل" . أخرجه الترمذي برقم (1071)، وابن أبي عاصم في السُّنّة (864)، قال الترمذي: حديث حسن غريب. وصحَّحه ابن حبان (78) مطولا. وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (1391/ 3/ 379،380): إسناده جيد، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم. وقال الأرناؤوط في شرح السنة (5/ 417): إسناده حسن. . ويعمّ ذلك كل ميت، سواء قُبِرَ أو لم يُقْبَر، حتى ولو لم يُدفَن -مثلًا- أو أكلته السباع، أو أحرق وذُرِّيَتْ جثته في الرياح، أو في البر والبحر، فالله قادر على أن يوصل إليه ما يستحقه من عذاب أو نعيم. والأحكام بعد الموت وفي البرزخ على الأرواح، والأرواح باقية بعد مفارقتها للأجساد، ولكن لا بد أن يصل شيء من الألم أو النعيم إلى الأجساد، ولو كانت فانية. وبكل حال يؤمن المؤمن بما يكون بعد الموت مما ورد في هذه الأحاديث، ويحمله الإيمان على أن يستعد لذلك، وأن يعمل العمل الذي يكون سببًا في نجاته من تلك الأهوال.