الإرشاد شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي شرح صدور عباده المؤمنين ، وأرشد من شاء منهم إلى الحق المبين ، وهداهم وثبتهم على صراطه المستبين، وخذل من أضلهم فاختاروا طريق الضالين ، وخالفوا سبيل سيد المرسلين، وانحرفوا عن اعتقاد الصواب وأطاعوا أعداءهم من الشياطين ، ولله الحجة البالغة ولو شاء لهداهم أجمعين. أحمده سبحانه على نعمة الهداية والتوفيق وبه أستعين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى عن أقوال المعطلة والمشركين والمنحرفين ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين ، الذي بلغ ما أوحي إليه في الفروع وأصول الدين ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله الطيبين وصحبه البررة المخلصين، ومن سار على نهجهم من التابعين وتابع التابعين إلى يوم الدين . أما بعد : فقد كنت في صيف عام ألف وأربعمائة وخمسة عشر للهجرة ألقيت درسًا في مسجد شيخ الإسلام ابن تيمية المشهور في حي سلطانة بالرياض واختير لهذا الدرس شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد ، وهذه اللمعة للإمام الشيخ موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي صاحب المؤلفات في الفقه والأصول والعقائد، والذي ضمن هذه العقيدة ما عليه أهل السنة والجماعة في باب الإيمان بالله وأسمائه وصفاته، وما يجب التصديق به من أمور الغيب التي أمر الله بها وأخبر عنها في كتابه وعلى ألسنة رسله . وحيث إن هذه النبذة رغم اختصارها محتوية على أهم أمور العقيدة السلفية ، وإن مؤلفها - رحمه الله - إمام وقدوة في الدين ، وإنها لم تشرح شرحًا موسعًا ، وإن الحاضرين بحاجة إلى إيضاح أمور الاعتقاد لكثرة المخالفين من الأشاعرة والمعتزلة والرافضة والزيدية ونحوهم من المبتدعة ؛ فلذلك رأيت أن أتوسع في الشرح وأتعرض لذكر الأدلة التي لها صلة بالموضوع الذي تطرق إليه صاحب المتن ، وأذكر بعض ما حضرني من النصوص التي توضح المراد رغم أني أشرحه ارتجالا ودون مراجعة كتب أو شروح، ودون تحضير واستعداد ، وإنما أتكلم بما فتح الله في حال الإلقاء. وقد التزمت أن أتوسع في المسائل التي وقع فيها الخلاف مع المعتزلة المعطلة لصفات الكمال، ومع الأشاعرة نُفاة الصفات الفعلية وبعض الصفات الذاتية، ومع الرافضة الطاعنين في خلافة الخلفاء الراشدين والمكفرين لأجلاء الصحابة ومن تبعهم ، ومع الفلاسفة وأتباعهم من المنكرين للبعث الحقيقي والجزاء الأخروي والإيمان بالغيب ، ونحوهم من المبتدعة الموجودين في هذا الزمان. وحيث إن زمن الإلقاء والشرح يمتد ثلاثة أسابيع ولمدة ثماني عشرة ليلة، كل ليلة يستغرق الدرس فيها ما بين العشاءين ، ولكون الكثير من الطلاب وافدين من بعض البلاد المجاورة، ولهم نهم وحب في التوسع والبسط لقلة من يتلقون عنه مثل هذا الشرح في بلادهم؛ فلذلك ونحوه رأيت أن أبسط المقال حتى يتضح المراد وحتى يستغرق الوقت المحدد له في هذه المدة، مع أن المقام يستدعي بسطًا أكثر مما حصل فإن هذه المسائل قد كتب فيها كثير من العلماء الأولين عددًا كثيرًا من المجلدات، وأوسعوها بحثًا من جميع الجوانب، وتعرضوا للخلاف ومناقشة أقوال المخالفين، لكني آثرت عدم التوسع في ذكر شبهات المبتدعة وتعرضت لبعضها باختصار ، وبين ذلك أذكر القول الصحيح وأدلته ووجه الدلالة ومن قال به من سلف الأمة ، وأشير إلى بعض المراجع التي تعرضت لهذه المسألة في قديم الزمان وحديثه ، وأحث على مراجعة كتب السلف المعترف بعلمهم ، والذين نقلوا السنة والأحاديث النبوية وأقوال أئمة الدين بالأسانيد الصحيحة والنقول المتواترة . ولا شك أن استيفاء ذلك يستدعي مجلدات ولكن نشغل الوقت بما يحصل به المقصود ويتضح به المذهب الصحيح والمعتقد السليم الذي اعتنقه أئمة السلف وعلماء صدر الأمة ومن سار على نهجهم واتبع سبيلهم ممن بعدهم ، وقد وفق الله تعالى لإتمام الشرح حسب المطلوب وحصل به نفع كثير وسجله الكثير من الحاضرين ونقلت الأشرطة التي سجل فيها هذا الشرح في داخل البلاد وخارجها . ولما رأوا لهذا الشرح من أهمية اقترح بعض الطلبة تفريغه وطبعه ونشره حتى يعم النفع به ، وقد تصدى لذلك أخونا الشيخ محمد بن حمد بن منيع وهو أحد العلماء العاملين وأحد حملة العلم الصحيح وأهل الاعتقاد السليم ، ولا نزكي على الله أحدًا. وقد بذل فيه جهده، واستفرغ فيه وسعه ، وأكبّ على النسخ حتى أخرجه جميعًا من باطن تلك الأشرطة وصحح ألفاظه وجمله ، وبعد أن أكمل نسخه كان ولا بد من تصحيحه وتقويمه فقرأه علي بتمامه ، فتبين أن فيه كلمات ضعيفة في الأسلوب وأخطاء معنوية أو لفظية بسبب الارتجال ، وفيه قصص وحكايات ذكرتها للتوضيح ، وهي مما لا يناسب نشره، وفيه شيء من التكرار الذي لا حاجة إليه ، وقد حصل من قراءته تهذيبه وتصحيحه ، وتغيير الأسلوب الركيك بأصح منه ، واختصار ما يمكن اختصاره ونحو ذلك ، وتركنا الباقي على ما هو عليه ، وإن كان فيه ضعف في التركيب وعدم تناسب بين الجمل؛ فإن ذلك مما يستدعي تغييرًا جذريًّا للشرح كله فتركناه كما هو ليكون أوضح للقارئ الذي تغلب عليه العامية ، وليكون أقرب إلى فهم المراد من كلام المؤلف وما أضيف إليه . وبعد أن أكملنا تصحيحه التزم الشيخ محمد بن منيع - وفقه الله - أن يقوم بعزو الآيات وتخريج الأحاديث التي نوردها وتصحيحها على مراجعها، واختيار الألفاظ التي تكون أقرب إلى ما ذكر في الشرح . وقد جد في ذلك وبذل فيه جهدًا كبيرًا، واستغرق منه وقتًا طويلا متواصلا، واضطر إلى التغيير الكثير في ألفاظ الحديث لتوافق ما في كتب الحديث؛ حيث إن مع الارتجال يقع الخطأ في الألفاظ والرواية بالمعنى القريب، وقد أعانه الله تعالى فأكمل التخريج مع الاختصار وعدم التوسع بذكر أكثر المخرجين حيث إن القصد الأكبر هو ذكر مراجع الحديث ومن رواه بالإسناد المتصل فحصل المقصود من ذلك ولو بذكر الحديث في كتب المتأخرين الذين يعزونه إلى مخرجيه. ولا شك أن الاشتغال بتخريج الآثار وذكر مراجع النقول مما يكلف زمنًا طويلا؛ فلذلك رأينا عدم الالتزام بذلك ، وبهذا يحصل المقصود من خدمة هذا المتن الذي لم يلق الكثير من خدمة في سابق الزمان ، ويحصل المطلوب من نفع الإخوان وطلبة العلم ومن أراد الله به خيرًا ، وقد أذنت بنشره وتعميمه ؛ رجاء أن ينفع الله به كما نفع بأصله. وأعتذر عما يوجد فيه من الأخطاء والزلات والخلل والنقص والسهو مما لا يسلم منه نوع الإنسان الذي محل النسيان؛ فالكريم مَن عُدَّت هفواتُه، فلك أيها القارئ غنمه وعلى مؤلفه غرمه، ولك صفوه وعلي كدره، وأطلب ممن عثر فيه على سهو أو لغو أن يصلحه وأن ينبهني على ذلك؛ فالحق ضالة المؤمن، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل. فأما المخالفون في المعتقد فلا عبرة بمخالفتهم ، فقد اشتهر عنهم لعن أهل السنة، وتكفير شيخ الإسلام ابن تيمية وتضليل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه، ورمي الإمام أحمد - رحمه الله - بالتشبيه والتمثيل، فمثل هؤلاء ليس على خلافهم معول. والله الهادي إلى سواء السبيل ، وهو حسبنا ونعم الوكيل ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. المؤلف : عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين 10/317 هـ