وختامًا

بهذا نعلم أن هذه العبادة ما شرعت إلا لهذه الحكم والمصالح، وهي كثيرة، وإنما أشرنا إلى بعض منها حسب ما يتسع له المقام. وبكل حال فإن الله - سبحانه وتعالى - حكيم في شرعه، فما شرع العبادات إلا لتهذيب النفوس وتقويمها، لم يشرع شيئًا منها عبثًا ، بل لفوائد جمة ومصالح عظيمة، يعرفها المؤمن ويعتقد في كلّ ذلك أن ربه - سبحانه وتعالى - هو الحكيم الذي يضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها. كما أن عليك أيها المسلم أن تتقبل كل ما جاءك من الشريعة ولو لم تصل إليك الحكمة التي شرعت من أجلها هذه العبادة، عليك أن تعرف أن الذي فرضها هو الحكيم العليم، هو الرب العليم بعباده، فتتقبلها سواء علمت الحكمة والمصلحة التي فيها أو قصرت معرفتك عن ذلك؛ لأن هذا واجب على المؤمن فيما يسمى بالعبادات التعبدية التي تفعل على وجه الطاعة، وإن لم نصل إلى الحكمة فيها، ولكن العبادات الظاهرة، كالصلاة والصيام والطهارة وما أشبهها نعرف لها حكمًا تفوق العد وإن أحصى شيئًا منها، والمؤمن يكتفي ببعض الإشارة، فإذا عرف المسلم هذه الحكم حرص على تحقيقها. فإذا عرفت أن الصيام يأمر بجميع الطاعات، ويزجر عن جميع المحرمات، حرصت على تحقيقها ، وتمثلت كلها في نفسك حتى تكون ممن انتفع بصومه وبسائر عباداته. أسأل الله العلي القدير أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا علما , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , والحمد لله رب العالمين.