............................................................................... كما ذُكر نزولهم في القرآن في عدة آيات، ففي ليلة الْقَدْرِ قال الله تعالى: { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ } . ورد في بعض الآثار: أن الملائكة في تلك الليلة أكثر من عدد الحصى، يحضرون أعمال بني آدم ينظرون إلى عباداتهم وإلى تنافسهم. وكذلك أيضا في ليالي شهر رمضان. ورد في بعض الآثار: أن في السماء ملائكة لا يحصي عددهم إلا الله, فإذا دخل رمضان استأذنوا أن يحضروا مع أمة محمد صلاة التراويح, فمن مسهم أو مسوه سَعُدَ سعادة لا يشقى بعدها أبدا. يحضرون الصلاة مع المصلين في الليل، صلاة التراويح التي كانوا يصلونها من عهد الصحابة إلى هذا العهد. فَمَنْ مسهم أو مَسُّوه أي مَنْ مسه أحد منهم, أو لمسه أحد منهم -وإن كان لا يشعر- أو لمسوه, سَعُدَ حيث أنه حظي بالقرب منهم. كذلك أيضا ما ذكر من عظمة هؤلاء الملائكة، الذين ذكر عظمة أفراد منهم, بحيث أنه لا يعلم قدر خلقتهم إلا الرب سبحانه وتعالى. سمعنا ما ذكر في ذلك، وإن كان في بعض ذلك شيء من الغرابة, يعني: الآثار والأحاديث التي رويت في عظمة هؤلاء فيها شيء من الغرابة. ورد حديث صحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: { أذن لي أن أحدث عن ملك ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة خمسمائة سنة } أي هذه المسافة التي هي مسافة رقبته لا يحصي طوله إلا الله. إذا كانت هذه طول رقبته, فكيف بما فوق ذلك؟! وكيف بما تحت ذلك؟! وكذلك ما ذكر أيضا في صفة حملة العرش، وأنهم حملوا العرش مع عظمته. ورد أيضا في صفة خلقهم: أنهم لا يعلم قدر طولهم, أو عظمة أجسامهم, أو كيفية خلقهم إلا الذي خلقهم سبحانه وتعالى, وأن رؤوسهم أو مناكبهم أو ظهورهم فوق السماء السابعة, وأن أقدامهم تحت الأرض السفلى. من الذي يحصي هذا العدد؟ ومن الذي يتكيف هذه الكيفية وهذا القدر؟! الغرض من ذلك كله هو: أولًا: الإيمان، أن نؤمن بذلك ونصدِّق به؛ وذلك لأنه من جملة ما أُخبرنا به خبرا يقينا في الكتاب وفي السنة؛ فجعل العلماء من أركان الإيمان أن نؤمن بالملائكة على حسب ما ورد، وما صح لنا وما ثبت في كتاب الله تعالى, وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ولا شك أن الإيمان بذلك يستدعي تصديق المؤمن به، ويقينه بذلك، واعتقاده بصحة ما أخبر الله به, وأخبر به رسوله؛ فإنه خبرُ الصادق المصدوق، نجزم بذلك ونؤمن به ونعتقده. كذلك أيضا نعلم أن هذه عبادة الملائكة: ركوع منذ خُلقوا إلى أن تقوم الساعة، ويحتقرون عبادتهم فيقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك! وآخرون سجود منذ خُلقوا -قبل خلق السماوات أو بعدها كما شاء الله- لا يرفعون رءوسهم إلى يوم القيامة؛ ومع ذلك يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك! وآخرون قيام منذ خُلقوا، لا ينحنون إلا بعدما يأمر الله تعالى، أو إلى يوم القيامة؛ ومع ذلك يقولون: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك! وإذا كانت هذه عبادتهم مع أنهم لم يكونوا من المذنبين, يعني: يرتكبوا شيئا من الذنوب، فكيف يُعْجَب أحدنا بعبادته؟! وكيف يستكثر عمله؟! وكيف يُزَكِّي نفسه؟ إذا قال: أنا أحافظ على الصلاة، أنا مسلم، أنا أدين بالشهادة، أنا أقوم بها في الله، مع أن أعماله قليلة بالنسبة إلى أعمال الملائكة؛ ومع ذلك يعجبه عمله، فيقول: أنا من أهل الجنة! أو أنا من أهل العمل الصالح! فَيُزَكِّي نفسه، والله تعالى نهى عن ذلك، قال تعالى: { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } وقال: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ } إذا رأيت أو سمعت عمل هؤلاء الملائكة الذي قد يُعَمَّرون عشرات الألوف من السنين وهم في عبادة؛ ومع ذلك يحتقرون عبادتهم ويستقلونها. أي: إنها عبادة قليلة، وإننا مقصرون، وإن ربنا له علينا حق أكبر، وإننا ما عبدناه حق عبادته، وإن كانوا لم يشركوا به شيئا، ولم يشتغلوا وقتا من الأوقات إلا بعمل أمرهم الله تعالى به وكلفهم به -هذا كثرة أعمالهم- ومع ذلك يُحَقِّرون أعمالهم، ويقللونها بالنسبة إلى ما يستحقه الله تعالى. لا شك أن ربنا سبحانه له حقوق على عباده؛ وما ذاك إلا أنه هو الكبير المتعال. إذا كانت هذه عظمة مخلوقاته، وهذه عظمة عرشه، وهذه عظمة ملائكته؛ الذين خلقهم لعبادته وطاعته، وهذه عباداتهم وجهدهم واجتهادهم، وهذا احتقارهم لعباداتهم واستقلالهم لها، فكيف بنا؟! وما مقدار أعمارنا؟! وما هي أعمالُنا؟! وكيف نُزَكِّي أنفسنا؟! وكيف يُعْجَب أحدنا بعمله؟! هذا من فوائد ما سمعنا. كذلك أيضا من فوائد ذلك: استحضارنا دائما لعظمة الرب سبحانه، نستحضر أنه أعظم من كل شيء، وأنه أكبر من كل شيء، وأجلُّ من كل شيء، وأنه الكبير المتعال كما وصف بذلك نفسه، وأن له أكمل الصفات، وأعلى الأسماء، وأنا نُثبت له الأسماء الحسنى، ونصفه بالصفات العلى، وأنه خالق الخلق، وكل الخلق ملكه، وكلهم عبيده، وكلهم خاضعون لتصرفه وتقديره؛ لا أحد يتصرف لنفسه إلا إذا شاء الله سبحانه وتعالى، وأنهم حَقيِرون -ولو ملكوا ما ملكوا-؛ ذلك لأن هذا الخالق الذي خلق هذه المخلوقات بقدرته، وقال لها: كن فكانت, ووجدت؛ منها هذا العدد الهائل من الملائكة، ومنها: هذه المخلوقات العلوية، وهذه المخلوقات السفلية. هذا قَدْرُها؛ فإذا كان هذا قدر هذه المخلوقات فكيف بعظمة من أوجدها؟ كيف بعظمة من خلقها؟! لا شك أنه أعظم وأجلُّ وأكبر من كل شيء، وأنه الذي يستحق التعظيم والإجلال، يستحق أن يعبده العباد، وأن يعظموه ويكبروه ويجلوه، وأن الذين عصوه وخرجوا عن طواعيته ما قدروه حق قدره, كما أخبر تعالى بقوله: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ } فكل من أشرك به فما استحضر عظمته، وما قدره حق قدره، وكذلك كل من تَنَقَّصَهُ, وأنكر شيئا من صفاته, وصفات أفعاله, وأفعاله, ما قدروا الله تعالى حق قدره، الذين قدروه حق قدره هم هؤلاء الملائكة الذين هذه عظمتهم؛ ومع ذلك فإن هذه عباداتهم وديانتهم. س: مر بنا الكثير من الأحاديث أن هناك ملكا على شكل ديك، ولهذا الحديث طرق كثيرة، فيها الموضوع، وفيها الضعيف، فهل يصح أن نذكر هذا الديك على أنه ملك؟ هذه الأحاديث مع كثرتها قد تكون ضعيفة، والغالب أنها من وضع كثير من القصاص؛ الذين يستعملون المواعظ، فيأتون فيها بما يُبكي الناس؛ ولكن نظرًا لكثرتها لا مانع من أن تذكر وتذكر درجتها. |