الرد على من أنكر طلوع الشمس وغروبها

ثم هذا كله يرد على هؤلاء الذين يدعون أن الشمس أعظم من الأرض، وأنها أكبر من الأرض بكذا وكذا ألف مرة، ثم يستبعدون أنها تجري، وأنها تطلع وتغرب، فيستنكرون طلوعها وغروبها، قد ذكر الله تعالى طلوعها وغروبها، كما قال تعالى: { وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ } إذا طلعت تزاور، { وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ } فأثبت أنها تطلع وتزاور وتغرب وتقرض، ويقول الله تعالى: { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ } ثم قال: { حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا } فأثبت أنها تغرب وأنها تطلع، وكل ذلك دليل على أنها مُسَيَّرَةٌ، وأنها جارية، تجري كما يجريها الله تعالى، وتسير تقطع هذه المسافة بسرعة لا يعلم قدرها إلا الذي سيرها. هذا هو الذي يشاهده كل مخلوق، ويعرفه ويعتبره. وجاء هؤلاء الذين سموا أنفسهم أهل الهيئة أو علماء الهيئة، وادعوا أنها لا تجاوز مكانها، وأنها معلقة لا تتحرك، ولا تتجاوز مكانها! ولا شك أن هذا إنكار لما أخبر الله به، من طلوعها وغروبها، وإنكار أيضا لما هو مشاهد ومعقول، من أنها نشاهدها مجتمعة بالقمر، ونشاهدها وبينهما ما بين المشرق والمغرب، لا شك أن هذا دليل على أنهما سائران، يسيران كما سَيَّرَهُمَا الله، وكذلك أيضا هذه النجوم، نشاهد بعض النجوم تطلع من المشرق، ثم في كل يوم يزداد ارتفاعها، ثم تبدأ في الانخفاض- كنجم الزهرة- الذي يرتفع في الصبح إلى أن يقطع نحو ربع المسافة، ثم يبدأ ينحدر وينزل إلى أن يغيب. وكذلك أيضا نشاهد القطب الشمالي الذي يستدير حول بعضه، هذا القطب الذي هو الجدي الشمالي، يشاهد أنه ثابت، وأن الفرقدين نجمان مضيئان يدوران حوله، يستديران حوله لا يتجاوزانه، دليل على أنه ثابت في هذه الجهة، لا شك أن هذا كله دليل على أن هذه السماء ثابتة، وأن النجوم منها ما يسير فيقطع الفلك، ومنها ما لا يقطعه؛ بل يطلع ثم يغرب، ومنها ما يدور حول نفسه كالفرقدين وما أشبه ذلك. فيعتقد المسلم صحة ما جاءت به هذه النصوص، ويصدق بما هو مشاهد معقول من هذه الأفلاك، التي هي أفلاك سائرة جارية، كما سيرها الله تعالى، وتجري بأمره، قال الله تعالى: { وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى } يجري، الجريان هو السير. أثبت الله أن كُلا يجري، كما أخبر أيضا بأن السفينة تجري، كما قال تعالى: { اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ } الْفُلْكُ: هي السفن، تجري في البحر، فهل معنى كونها تجري: أنها تستدير حول نفسها كما تستدير المروحة السقفية الكهربائية ؟! لا شك أن جريان السفينة: سيرها من قُطر إلى قطر، من جهة إلى جهة، قد تسير في البحر شهرا، أو أشهرا وهي تمشي في هذا البحر، في لجة البحر، تسيرها الرياح، قال الله تعالى: { وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ } . إذا شاء الله وسكنت الريح بقيت هذه السفن راكدة لأنها إنما تجري بالرياح. فكل هذا دليل على أن الجريان الذي أثبته الله للشمس والقمر أنه سَيْرُهُمَا، كما أخبر الله، أنهما يسيران، وسير الشمس أسرع من سير القمر، وسير النجوم أسرع من سير الشمس، وكلها جارية بأمر الله تعالى. فهذا اعتقاد المسلمين في هذه الأفلاك، ويعرف بذلك المسلم أنها من آيات الله تعالى الكونية التي نصبها ليستدل بها العباد على كمال قدرة الخالق.