معنى قوله تعالى: وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا

............................................................................... ثم قال تعالى: { وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا } كانوا في الجاهلية، وكان بعض المنافقين يكره أحدهم مملوكته على الزنا؛ حتى تتكسب له؛ فيقول: اذهبي فابغي لنا. البغاء: هو الزنا، والبغي هي الزانية. يكرهها ويلجئها إلى أن تذهب وتزني مقابل أن تحصل على عوض ذلك الزنا الذي هو مهر البغي، ومعلوم أنه حرام، مهر البغي حرام. ففي هذا أنه حرم أن الرجل يكره أمته ومملوكته حتى تزني، إذا زنت جاءت له بمال يقول: { لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } يعني: تكرهها لأجل أن تأتي لك بعرض يسير من متاع الدنيا، هذا العرض الذي تأتي به حرام وسحت؛ لأنه من كد فرجها؛ فتأكل أنت هذا الحرام موجب أنك تلجئها وتكرهها، لا شك أن هذا أكل حرام، وأنه إلجاء إلى هذه المسكينة التي لا تقدر أن تتمنع؛ إذ كانوا يضربونها ويقولون: اذهبي فابغي لنا، اذهبي فازني؛ حتى تأتي لنا بكسب. أسقط الله الحد عنها؛ لأنها مكرهة فقال: { وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ } -أي: لهن- { غَفُورٌ رَحِيمٌ } لأن المكرهة ملجأة وغير مكلفة؛ فتكون بذلك ملجأة على فعل لا تستطيع أن تتمنع منه. فالحاصل أن في هذه الآيات الحث للمؤمنين على أسباب التعفف، وإبعادهم عما يقربهم من الحرام، أو الوقوع في شيء من المحرمات أو وسائلها، وذلك بحفظ الأبصار وحفظ النساء وحفظ المحارم عن أن يقعن في شيء من الفحش الذي ذكر الله تعالى عقوبته في أول السورة في قوله تعالى: { فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ } فلما ذكر الله تعالى الزنا؛ ذكر الوسائل التي تحمي عنه، والتي توقع فيه حتى يكون المؤمن حذرا عن أن يقع في فاحشة، أو يقع في وسيلة توقعه في هذه الفاحشة، والله تعالى أعلم، وصلى الله على محمد .