الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
أخبار الآحاد
49409 مشاهدة
الدليل الثالث إجماع الأمة على قبول خبر الآحاد

النوع الثالث إجماع سلف الأمة على قبول أخبار الآحاد :
وقد نقل عن الصحابة والتابعين من الآثار الدالة على اكتفائهم بخبر الواحد ما لا يحصى إلا بكلفة، فنشير إلى طرف من ذلك. 1- ففي الصحيحين عن ابن عمر قال : بينما الناس بقباء في صلاة الصبح، إذ جاءهم آت فقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة .
 وقد رويت هذه القصة عن البراء وأنس وابن عباس وعمارة بن أوس وعمرو بن عوف وسعد بن أبي وقاص وسهل بن سعد وعثمان بن حنيف ومن طرق كثيرة .
  فانظر كيف اعتمدوا خبر هذا الشخص، وتحولوا عن قبلة كانت متحققة الثبوت عندهم، ولا شك أن قد اطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولم ينقل أنه أنكر عليهم.
2- وفي الصحيحين أيضا عن أنس قال : كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة، وأبي بن كعب شرابا من فضيخ ، فجاءهم آت ، فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: قم يا أنس إلى هذه الجرار فاكسرها فقد أقدموا على إتلاف مال محترم، تصديقا لذلك المخبر، وهم من أهل القدم في الإسلام، ولم يقولوا: نبقى على حلها حتى يتواتر الخبر، أو نلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم. مع قربهم منه، ولم ينقل أنه أنكر عليهم عدم التثبت.
3- وعن أبي موسى في قصة دخول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الحائط وقوله: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء أبو بكر فقلت: على رسلك حتى أستأذن لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهبت فاستأذنت له فقال: (أذن له وبشره بالجنة) ثم جاء عمر ثم عثمان فكان شأنهما كذلك متفق عليه مطولا .
 فقد اعتمد هؤلاء الصحابة الأجلاء خبر أبي موسى وحده في الإذن.
4- ومثله حديث عمر الطويل المتفق عليه لما احتجر النبي - صلى الله عليه وسلم - في مشربة له، فجاء عمر فقال للغلام: استأذن لعمر. فأذن له فدخل . فقد قبل عمر خبر هذا الغلام وحده، مع أن الله نهى عن دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإذن.
5- وفي حديث عمر المذكور أنه كان له جار من الأنصار، يتناوب معه النزول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا غاب أحدهما أتاه الآخر بما حدث وتجدد من الوحي والأخبار، وهو ظاهر في أن كلا منهما يعتمد نقل صاحبه.
6-
وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه أن عمر رضي الله عنه كان يجعل الدية للعاقلة، ولا يورث الزوجة منها حتى أخبره الضحاك بن سفيان أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته، فرجع إليه عمر .
7- وروى أحمد أيضا وأبو داود وابن ماجه وغيرهم، عن ابن عباس أن عمر قال: أذكر الله امرأ سمع من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين شيئا ، فقام حمل بن مالك فقال: كنت بين جارتين لي، فضربت إحداهما الأخرى بمسطح، فألقت جنينا ميتا ، فقضى فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغرة، فقال عمر: لو لم نسمع به لقضينا بغيره .
8- وهكذا رجع عمر بالناس حين خرج إلى الشام فبلغه أن الوباء قد وقع بها، لما أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم به ببلدة فلا تقدموا عليه متفق عليه .
9- وقبل خبر عبد الرحمن أيضا في أخذ الجزية من مجوس هجر، بعد أن قال : ما أدري كيف أصنع في أمرهم ! رواه البخاري وأحمد والدارمي وأبو داود والترمذي وغيرهم .
10- وروى البخاري أيضا ، وأحمد وغيرهما ، عن ابن عمر أن سعدا حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يمسح على الخفين ، وأن ابن عمر سأل عن ذلك عمر فقال: نعم إذا حدثك سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فلا تسأل عنه غيره .
11- وروى أحمد والشافعي ومالك وأهل السنن وغيرهم حديث الفريعة بنت مالك وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله. قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا، قالت: فلما كان عثمان أرسل إلي يسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه وقضى به .
فقد قبل عثمان رضي الله عنه خبر هذه المرأة وقضى به بين الصحابة.
12- وكذا قبل زيد بن ثابت خبر أم سليم بنت ملحان في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمرها وهي حائض أن تنفر وتدع طواف الوداع، بعد ما اختلف مع ابن عباس في ذلك، والخبر رواه الشافعي وأحمد والبيهقي وغيرهم .
13- وكذا رجع كثير من الصحابة إلى خبر عائشة في الاغتسال  من التقاء الختانين، وقد كانوا لا يرونه. متفق عليه .
14- وثبت عن ابن عمر أنه قال : كنا نخابر ولا نرى بذلك بأسا ، حتى زعم رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها، فتركناها من أجل ذلك .
فانظر كيف اعتمد خبر رافع وحده، وترك ما كان يعتقده مباحا ، تقديما لما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
15- ورجع ابن عباس إلى خبر أبي سعيد في تحريم ربا الفضل، وقد اشتهر عنه القول بإباحته .
16- وهكذا عمر بن عبد العزيز لما حكم على مخلد بن خفاف أن يرد غلة ذلك العبد الذي ظهر فيه على عيب، فأخبره عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان فنقض حكمه، وقدم الحديث المرفوع، وإن كان خبر واحد . وبالجملة فعمل الصحابة والتابعين بخبر الواحد لا يمكن إنكاره بل إنهم يشنعون على من رده، ويغلظون  عليه في الإنكار.
ولم ينقل أن أحدا منهم قال : إن هذا خبر واحد يمكن عليه الخطأ، فلا تقوم به الحجة حتى يتواتر، ولو قال أحد منهم ذلك لنقل إلينا.

ولا يظن أنهم قبلوها لما احتف بها من القرائن ، أو ألحقوا تلك الوقائع بغيرها على طريق القياس، أو نحو ذلك من التقديرات التي لا دليل عليها، فإنه يمكن تقدير ذلك في دلالات القرآن، والأخبار المتواترة، وذلك فيه إبطال لجميع الأدلة الشرعية.
ولو كان اعتمادهم على غير هذه الأخبار فقط، أو عليها معها لنقل إلينا. بل إن مما يبطل هذه الاحتمالات تصريح بعضهم بأن اعتماده لم يكن إلا على النص كما قال عمر لو لم نسمع هذا لقضينا بغيره.