إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
الإسلام بين الغلو والجفاء والإفراط والتفريط
15359 مشاهدة
ثانيا: فيما يتعلق بالأعمال

وهكذا في مجال الأعمال فكان الإسلام وسطا بين اليهودية، والنصرانية ولإيضاح ذلك نذكر بعض الأمثلة المختصرة على ذلك:
المثال الأول:
فاليهود يرون الطلاق ولا يرون الرجعة، فلو طُلِّقت الزوجة فلا رجعة عليها لزوجها.
أما النصارى فيرون أن لا طلاق، فمتى عُقد للإنسان فلا طلاق له، ولا يحق له الطلاق.
وجاء الإسلام فتوسط، وجعل للإنسان أن يطلق للحاجة متى شاء، وأن يراجع بعد الطلقة الأولى، وبعد الثانية .. فقد يتعجل الإنسان في أمر لا بد فيه من الأناة فيتلافى ذلك بعد حين.
المثال الثاني:
اليهود يرون القصاص في القتل حتما وليس هناك مجال للعفو؛ بينما يرى النصارى العفو حتما.
فجاء الإسلام بالتخيير، وذلك بتخيير ولي المقتول بين القصاص، وبين العفو وأخذ الدية، أو العفو مطلقا فصار بذلك متوسطا، لا إلزام بالعفو، ولا إلزام بالقصاص، بل توسط بينهما.
المثال الثالث:
كذلك جاء الإسلام أيضا بالتوسط في أحكام المجازاة ونحوها. فقد أباح الله -سبحانه وتعالى- المجازاة على الأعمال بمثلها، كما في قوله تعالى: وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ .
كما أباح للإنسان أن يعاقب من يعتدي عليه بالمثل، في قوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ أي بالمثل فقط لا بالزيادة، ولكنه فضّل الصبر لقوله: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ .
لكن دين النصارى يأمرهم بأن يعفوا، وأن لا ينتصروا ولا ينتقموا لأنفسهم أبدا؛ ودين اليهود يحتم عليه بأن يستوفي وأن يقتص.
فالإسلام جاء بهذا الدين، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط.