إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
الإسلام بين الغلو والجفاء والإفراط والتفريط
15457 مشاهدة
توسط الإسلام في أمور العادات

ولك أن تقيس أيها الأخ على ذلك كل شيء حتى الأمور العادية، مثل أمور المأكل والمشرب والملبس وما أشبه ذلك، فإن الإسلام جاء فيها بالوسط وهنا نأتي ببعض الأمثلة المختصرة لتوضيح هذا الأمر فمن ذلك:
1- في باب اللباس:
لا شك أن اللباس الذي هو زينة للناس نعمة كبرى أنزله الله، وامتن به على عباده بقوله: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا .
وقد انقسم الناس في اللباس إلى ثلاثة أقسام: طرفين ووسط.
أما الطرف الأول: فهم أهل البذخ والإسراف والإفساد، فقد يتكلف لباس أحدهم مئات أو ربما يبلغ الألوف، ذكرا كان أو أنثى!
وهذا بلا شك فيه إفساد وإسراف وتبذير للمال بغير حق، ويعد إفراطا وغلوا وزيادة، ولو أنه اقتصد واستعمل ما يكفيه، وتصدق بهذا الزائد أو أنفقه في وجه من وجوه الخير، لكان خيرا له.
وهناك طرف آخر: قد أنعم الله عليه ورزقه، ولكنه قصر على نفسه، فقد روي: أنه -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا عليه ثياب رثة وممزقة، في ذلّة وهوان! فسأله الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال: أليس قد رزقك الله مالا؟ قال: بلى، قال: من أي أنواع المال؟ قال: من كل أنواع المال، من الإبل والخيل والغنم، والرقيق، فقال: إن الله إذا أنعم على عبد أحب أن يرى عليه آثار نعمته .
فكون الإنسان غنيا، ومع ذلك يقصّر على نفسه، فيقتصر على ثياب دنسة، ممزقة، قد تبدو منها عورته، يعتبر هذا تقصيرا وإخلالا.
وخير الأمور أوسطها، فلا يسرف الإنسان في اللباس، ولا يقصر فيه، بل الوسط بين ذلك؛ لا إفراط ولا تفريط.
2- في باب المأكل والمشرب:
إن التوسط مطلوب أيضا في المأكل والإنفاق بشكل عام، فتجد كثيرا من الناس يسرفون، فيحشدون أنواعا من الأطعمة، وكلها تذهب، ولا يؤكل منها إلا النزر القليل. وآخرون يكون عندهم أموال، ولكن يحملهم البخل والشح على أن يُقتِّروا على أنفسهم وعلى أولادهم، فيبيتون طاوين وجياعا؛ على الرغم مما عندهم من أموال!
فلا يأكلون إلا شظفا من العيش، أو علقة من الطعام، فيقتّرون على أنفسهم، والأموال عندهم، يكدسونها ويجمعونها!
والدين هو الوسط، فلا تقتير ولا إسراف، كما في قوله تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا .
3- في باب الإقبال على الدنيا:
انقسم الناس في الإقبال على الدنيا إلى ثلاث طوائف:
* قسم أكبوا على الدنيا وعظموا شأنها، وركنوا إليها وأحبوها، وجعلوا دنياهم أكبر همهم ومبلغ علمهم، فشغلوا بها أوقاتهم كلها! ولا شك أن هؤلاء قد نسوا الآخرة، وأنهم قد زادوا في هذا الأمر وقد غلوا.
* وقسم قد زهدوها ولكن أوقعهم ذلك في تركهم مصالح أنفسهم، وانعزلوا عن الناس وعما الناس فيه، وأضاعوا من تحت أيديهم، فلم يكتسبوا مالا يغنون به أنفسهم، وأضاعوا أولادهم دون أن يعطوهم، ويكفوهم ويرزقوهم، وما أشبه ذلك. فهؤلاء أيضا مخلّون ومقصرون.
* والأمر الوسط بين ذلك هو أن يطلب الإنسان من الدنيا الكفاف والقوت، كما في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- اللهم اجعل رزق آل محمد كفافا .
لا إفراط ولا تفريط، فلا انقطاع عن الدنيا انقطاعا كليا يضيع الإنسان نفسه، ويعرضها للحاجة والتكفف وسؤال الناس، ويعرض أهله للجوع والضنك وضيق المعيشة، ونحو ذلك.
وكذلك لا يجعل الإنسان همه كله مُنصَبّا على الدنيا صارفا فيها أهواءه، وصارفا فيها حياته، وصارفا فيها أوقاته، وناسيا آخرته، وناسيا الأعمال التي تقربه إلى الله.
لا هذا ولا هذا، بل يشتغل في دنياه بقدر، ويشتغل لآخرته بقدر، ولا يبالغ في محبة الدنيا التي تنسيه الآخرة، ولا يبالغ في التقصير فيها، ذلك التقصير الذي ينسيه حظه من الدنيا، الذي أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن لنفسه عليه حقا.
4- في باب المعاملات:
وكذلك في المعاملات؛ فإن كثيرا من الناس يتعاملون ويتوسعون في باب المعاملات، فلا يبالي أحدهم بأية معاملة، سواء الغش، وسواء الربا، وسواء الزيادة على غير ما أنزل الله، وسواء الأخذ للمال بالباطل.
ومثل هؤلاء قد زادوا وتوسعوا في باب المعاملات، فأفرطوا، وتوسعوا بحيث إنهم لا يعتقدون أن هناك معاملات حرام! عندهم الغش، والزيادة على المسلم وغير ذلك حلال وجائز، ومباح! يبيحون لأنفسهم ما لم يُبِحه الشرع!
ونجد أيضا من تشدد في باب المعاملات، وامتنعوا عن أشياء أباحها الله؛ فامتنعوا عن البيع الذي أباحه الله، وامتنعوا عن التجارة التي أباحها الله، وامتنعوا عن التكسب والعمل الذي أباحه الله، واعتقدوا أن ذلك ممنوع، وأن فيه خطأ؛ فوقعوا في التقصير والنقص، كما وقع الآخرون في الزيادة والغلو!
وخير الأمور أوسطها، لا إلى هؤلاء، ولا إلى هؤلاء.