شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
47805 مشاهدة
7- إثبات صفة العلو والفوقية

[ وقوله في رقية المريض: ربنا الله الذي في السماء، تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء اجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك على هذا الوجع، [فيبرأ] [حديث حسن] ، رواه أبو داود [وغيره]
وقوله ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء [حديث صحيح] . وقوله: والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، وهو يعلم ما أنتم عليه [ حديث حسن، رواه أبو داود وغيره] وقوله للجارية: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ . قالت: أنت رسول الله. قال: أعتقها فإنها مؤمنة . رواه مسلم]


(الشرح)
يعتقد المسلمون ويصدقون بجميع ما أخبر الله به عن نفسه، ومن جملة ذلك إخباره أنه تعالى في السماء قال تعالى: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا [الملك: 16، 17] فذكر تعالى أنه في السماء، والسماء اسم لكل ما علا وارتفع، فيعتقد المسلمون أن الله هو العلي الأعلى، وأنه عال على خلقه، وأن له جميع أنواع العلو، علو الذات، وعلو القهر، وعلو القدر.
ويحملون قوله: أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ على أحد محملين، الأول:
أن تكون في بمعنى على: في السماء يعني علي السماء.
الثاني: أن تكون السماء بمعنى الارتفاع والسمو، فقوله: في السماء أي في العلو وفي الفوقية، فهو العالي فوق خلقه تعالى.
فدليل هذا من القرآن هاتان الآيتان. ودليله من السنة هذه الأحاديث:
*الحديث الأول : قوله صلى الله عليه وسلم في رقية المريض: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء، فاجعل رحمتك في الأرض، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنت رب الطيبين، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع حديث حسن رواه أبو داود وغيره

وفي أول الحديث يقول عليه السلام: إذا مرض أحدكم أو قريب أحدكم أو أخوه فليقل: ربنا الله الذي في السماء... إلى آخره .
وفي هذا الحديث أمور:
أولا: وصف النبي صلى الله عليه وسلم ربه بالربوبية ربنا يعني خالقنا ومالكنا.
ثانيا: وصفه بأنه في السماء يعني في العلو.
ثالثا: وصفه بالتقديس تقدس اسمك أي تنزه وتقدس عن كل نقص .
رابعا: قوله: أمرك في السماء والأرض يعني أمرك نافذ في السماء على من في السماوات وعلى من في الأرض.
خامسا: قوله: كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض لأن الله خلق رحمته وجعلها في السماء مائة جزء، وأنزل منها جزءًا يتراحم به العباد والبهائم فطلب أن يجعل من رحمته في الأرض ما يخفف به على عباده، ولذلك قال: فاجعل رحمتك في الأرض .
سادسا: قوله: اغفر لنا حوبنا وخطايانا يعني ما أصابنا من مرض أو نحوه، فإنه بذنوبنا، و حوبنا أي ذنوبنا وخطايانا.
سابعا: قوله: أنت رب الطيبين الربوبية من الله عامة لكل أحد، ولكن هاهنا ربوبية خاصة للطيبين وهم الأتقياء.

ثامنا: قوله: أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع يعني على هذا المرض أو هذا الوباء ونحوه.
والشاهد قوله: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك ففيه دليل واضح على أن الله تعالى في السماء.
*الحديث الثاني: قوله: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء لما قسم عليه الصلاة والسلام مرة مالاً، وأعطاه بعض الأكابر ليقسموه على قومهم، جاءه إنسان وقال له: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، فاعترض عليه وانتقده، فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يعني أن الله تعالى الذي في السماء ائتمنني وجعلني أمينا، أفلا تأمنوني أنتم وقد أمنني الله تعالى، فالشاهد أنه أخبر بأنه أمين من في السماء، وأنه يأتيه خبر السماء يعني الخبر من الله تعالى، يأتيه في الصباح والمساء بواسطة الرسول الملكي.
* أما الحديث الثالث: فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: والعرش فوق ذلك، والله فوق العرش وفي رواية: والعرش فوق الماء، والله فوق العرش .
لما ذكر ارتفاع السماوات، وغلظ كل سماء، وأن بيننا وبين السماء الدنيا مسيرة خمسمائة سنة، وأن غلظ السماء الدنيا مسيرة خمسمائة سنة، وأن بين كل سمائين مسيرة خمسمائة سنة، وأن ارتفاع السماء الثانية عن الدنيا وكثف كل سماء هكذا- قال بعد ذلك: وفوق السماء السابعة بحر، ما بين أعلاه إلى أسفله كما بين السماء والأرض، ثم ذكر أن فوق ذلك حملة العرش، وأن العرش فوق ظهورهم قد حملوه، والله تعالى كما يشاء، وكما يليق به فوق العرش، فوق ذلك كله.
ومع ذلك يعلم ما أنتم عليه، لا يخفى عليه شيء في الأرض، فهو عَلِيٌّ فِي دنوه، قريبٌ في علوه، فيجب أن نستحضر أنه تعالى هو العلي بجميع أنواع العلو، ومع ذلك له الاطلاع على خلقه، وله المراقبة عليهم، بحيث إنه لا تخفى عليه منهم خافية، ولهذا قال: وهو يعلم ما أنتم عليه يعني لا تحسبوا أن بينكم وبين الله هذه المسافات، وأنه يخفى عليه شيء من أموركم، بل إنه قريب مُجيب مُطلع علي أعمال العباد وعلى أحوالهم، وهو تعالى فوقهم بجميع أنواع الفوقية.
ونأخذ من مجمل هذه الأدلة: أن وصف الله تعالى بصفات العلو من باب التعظيم، فهو تعالى يعظم بوصفه بالعلو، وبوصفه بأنه في السماء، أي في العلو، وبوصفه بالفوقية بجميع أنواعها، وبوصفه بالارتفاع ونحو ذلك؟ فكل هذا تعظيم، وإذا كان الله هو المستحق للتعظيم، فإن هذا من أعظم أنواع التعظيم.
ثم نأخذ أيضًا أنه تعالى إذا كان هو المستحق لأنواع التعظيم، فإن علينا أن نعظمه، ومن تعظيمه تعالى عبادته حق العبادة، وتخصيصه بذلك دون أن يشرك معه غيره، ودون أن يصرف شيء من حقه لغيره، فإن ذلك تنديد وشرك ونقص في التعظيم.

ونأخذ من ذلك أنه إذا كانت هذه عظمته، وجب أن يخاف عذابه، فإنه هو العظيم القدير، الذي هذه عظمته فيما أخبر به عن نفسه أو أخبر به نبيه، فمن عصاه أو عتا عن أمره، انتقم منه وعاقبه بما يشاء من أليم العقاب، فيوجب ذلك الخوف من عقابه، والرجاء لثوابه، فإن كل من عرف كمال صفات ربه وعرف عظمته وجلاله وكبرياءه، أوجب له:
أولا: العبادة: بأن يعبده ويخصه بجميع أنواع العيادة.
ثانيا: الرجاء: فيعلق آماله بربه ويرجو منه الثواب وحسن الجزاء.
ثالثا: الخوف: وهو أن يخاف بطشه وعقوبته.
ومن جمع هذه الثلاثة حصلت له الاستقامة؛ من جمع العبادة التي تحمله عليها محبة المعبود وتعظيمه؟ وكذلك أضاف إليها الخوف من عقابه الذي عرف أسبابه، وعرف أنه المخوف وحده، وكذلك الرجاء والذي هو الأمل في ثواب الله ومعرفته أنه أهل لأن يُرْجَى وتعلق عليه الآمال، وأهل لأن يرحم وأن يمنح ويعطى، فإذا كان كذلك فإنه يعبده ، فمن أحبه تعالى عبده، ومن رجاه أطاعه ودعاه، وكذلك من خافه توقى عقوبته بالابتعاد عن أسباب سخطه وعقابه، فهذا ونحوه من الأدلة على أنه سبحانه وتعالى يرضى عن عبده، وأنه طلب من عباده أنه يعبدوه، حيث وصف نفسه بصفات العظمة.
ومن صفات العظمة إخباره بأنه فوقهم، وبأنه العلي الأعلى عليهم بجميع أنواع العلو.

* الحديث الرابع: في قصة الجارية ، وهو أن رجلاً كان عليه عتق رقبة مؤمنة، فجاء بجارية لم يتحقق من إيمانها فسألها واختبرها النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: أين الله فأشارت بيدها وقالت: في السماء، يعني فوقنا وفوق العباد، فقال: من أنا قالت: أنت رسول الله، فقال: أعتقها فإنها مؤمنة فدل على أن من تمام الإيمان الشهادة لله تعالى بأنه في السماء وفوق العباد وبأن له الفوقية التامة والشهادة لمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه مرسل من ربه، وبأنه رسول الله، فإذا كان العبد كذلك فإنه مؤمن يجوز عتقه للكفارة.
ويدل ذلك على أن عقيدة أهل الإيمان تنص على الفوقية، وعلى وصف الله تعالى بأنه فوق عباده، فمن خالف في ذلك نقص إيمانه، من أنكر فوقية الله على عباده نقص إيمانه، أو اختل إيمانه، حيث خالف مقتضى هذا الحديث.
فبالجملة: المسلمون والمؤمنون يعتقدون بمدلول هذه النصوص، ولا يتكلفون ما يخالف ذلك، وأما من زاغ وانتكست فطرته، فإنه يذهب في تأويلها مذاهب بعيدة لا يدل عليها عقل ولا نقل.