إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
47555 مشاهدة
التفضيل بين الخلفاء الراشدين

[ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر . ويُثَلِّثون بعثمان ويربعون بعلي رضي الله عنهم؛ كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة.
مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي رضي الله عنهما- بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر - أيهما أفضل؟
فقدَّم قوم عثمان وسكتوا، وربَّعوا بعلي وقدَّم قوم عليا وقوم توقفوا.
لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان ثم علي وإن كانت هذه المسألة- مسألة عثمان وعلي - ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة.
لكن التي يضلل فيها مسألة الخلافة، وذلك أنهم يؤمنون أن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء ؛ فهو أضل من حمار أهله].


(الشرح)* قوله: (ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وغيره من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر ):
هذه مسألة التفضيل بين الصحابة ؛ يعني من أفضل الصحابة ؟ ومن أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم ؟
أهل السنة يروون في ذلك آثارا وأحاديث، فقد ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: كنا نقول والنبي صلى الله عليه وسلم حي: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره بمعنى أنه أقرهم على هذا التفضيل المرتب ؛ فأبو بكر هو أفضل وأولى وأقدم، ثم عمر أولى من بعد أبي بكر ثم عثمان بعدهما في الفضيلة ثم علي بعدهم أيضا، هذا هو ترتيبهم في الفضل.
ومن المعلوم أنهم مرتبون هكذا في الخلافة، فالصحابة رضي الله عنهم اختاروا بعد النبي صلى الله عليه وسلم خليفته أبا بكر رضي الله عنه؛ وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أنابه في الصلاة عنه لما مرض فقال: مُروا أبا بكر فليصل بالناس فكان هو الذي يصلي بهم في حالة غيبته، حتى قبل مرضه؛ فقد كان أبو بكر رضي الله عنه يصلي بالمسلمين، وقدَّموه لما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم يصلح بين بني عمرو ين عوف .
فقال الصحابة: رضينا لدنيانا من رضيه النبي صلى الله عليه وسلم لديننا، فبايعوا أبا بكر بالخلافة، واجتمعوا على مبايعته كلهم، ورضوا لبيعته بما فيهم أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم: علي وابناه والعباس وغيرهم، كلهم بايعوا أبا بكر وذلك لفضله، فاعترفوا بفضله، وبسابقته، وبصحبته القديمة، وإنفاقه ماله كله على النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نفعني مال قط كما نفعني مال أبي بكر .

مات أبو بكر واستخلف عليهم عمر ورضيه لهم، واجتمعت عليه كلمتهم ورضوه، وسار فيهم السيرة الحسنة وصار خليفة المسلمين بعد أبي بكر
ولما مات عمر جعل الأمر شورى بين ستة، وهم بقية العشرة إلا أن أبا عبيدة كان قد مات قبل عمر وترك من العشرة ابن عمه سعيد بن زيد فلم يجعله من الستة الذين جعل لهم الأمر، فبقي ستة وهم: عثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص ؛ جعل الأمر شورى بينهم، فتشاوروا فاتفقت كلمتهـم على بيعة عثمان فبايعوه.
ولما قتل عثمان ظلما، اجتمع أهل المدينة على أن عليا أفضل من بقي فبايعوه بالخلافة، ولم ينكر عليه خلافته أحد، إلا أن أهل الشام لم يبايعوه طلبًا بثأر عثمان فقالوا له: مَكِّنَا من قتلة عثمان حتى نبايعك، فتوقفوا عن مبايعته لتلك الشبهة، وإلا فهم معترفون بفضله وأنه الأولى بالخلافة.
هذا ترتيب الخلفاء الراشدين الأربعة، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ فوصفهم بأنهـم خلفاء، وبأنهم راشدون، وبأنهم مهديون فكان ذلك شهادة بخلافتهم.

ثم بقيت مسألة الأفضلية أيهم أفضل؟ الصحيح أن ترتيبهم في الخلافة وفي الفضل سواء؛ فنقول : أفضلهم أبو بكر ويليه في الفضل عمر ويليه عثمان ويليه في الفضل علي
ولكن التفضيل بين عثمان وعلي مسألة مُختلف فيها؛ وذلك لأن بعضًا من أهل السنة جعلوا عليا مقدما في الفضل على عثمان وبعضهم عكس وقال الفضل لعثمان ثم لعلي وكلاهما متقاربان.
فمن فضائل عثمان أنه من المهاجرين الأولين، هاجر إلى الحبشة
ومن فضائله: أنه قريب من النبي صلى الله عليه وسلم يجتمع معه في الجد الرابع عبد مناف
ومن فضائله: أنه تزوج بنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم: تزوج رقية ثم تزوج بأم كلثوم وقالوا: لم يكن هناك أحد في الدنيا تزوج بنتي نبي إلا عثمان ولما ماتت الثانية قال النبي صلى الله عليه وسلم: لو كانت لي بنت ثالثة لزوجتها عثمان .
ومن فضائله أيضا: أنه جهَّز جيش العسرة على نفقته الخاصة، وأنه اشترى بئر رومة من اليهود وجعله سبيلا للمسلمين، وفضائله غير ذلك كثيرة، فلا ينكر إذن على من جعله أفضل من علي ولا يُضَلَّل مَن ذهب إلى تفضيل عثمان على علي أو العكس، فليست هذه من المسائل التي يُضَلَّل فيها .
الحاصل أنه استقر أهل السنة على تفضيل أبي بكر ثم عمر وبعضهم ثَلَّثَ بعلي وبعضهم ثَلَّثَ بعثمان ولم يكفروا ولم يضللوا من ثلَّث بعلي أو مَن ثلَّث بعثمان ؛ وذلك لأنها من المسائل الاجتهادية، ولكن الصحيح أن ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الخلافة.
وأما الخلافة فلا شك أن الخلفاء على هذا الترتيب، ومن زعم أن أبا بكر مغتصب للخلافة فإنه ضال مضل؛ كالرافضة الذين يفضلون عليا فإنهم يطعنون في أبي بكر وفي عمر وفي عثمان ويطعنون في خلافتهم، ويزعمون أنهم مغتصبون للخلافة، وأن الولاية كانت لعلي وأنه هو الإمام، وأن النبي صلى الله عليه وسلم نص على ذلك قبل موته، ولكن هؤلاء ظلموه في الخلافة وقهروه، وأخذوا ما ليس يستحقونه، فمن طعن في خلافة أحد من الخلفاء الأربعة على ترتيبهم فهو أضل من حمار أهله أي أنه ضال مخطئ خطأ بينا.
فالخلفاء رضي الله عنهم كل منهم اجتمعت عليه الكلمة، وبايعه أهل الإسلام، ونصر الله بهم الإسلام نصرًا عزيزًا.
ففي خلافة أبي بكر ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم من حولهم من الأعراب، ولم يبق إلا أهل مكة وأهل المدينة الذين تمسكوا بالإسلام، أما من حولهم فكلهم نصبوا العداوة للمسلمين، ولكن أيد الله أبا بكر وقوَّاه، فتصدى لهم حتى قهرهم جميعا في أقل من نصف سنة ، فرجع المرتدون إلى حظيرة الإسلام ، وقتل منهم من قتل على الكفر ، وذلك أن الله ثبَّته ثباتًا عظيمًا ، ثم في السنة الثانية قاتلوا كل مَن بقي من أهل الردة ، وغزوا أطراف البلاد النائية واستقر الأمر .
وفي خلافة عمر رضي الله عنه : انتشر الإسلام وفتح الشام بأكمله وفتحت مصر وفتح العراق ووصلت الفتوحات إلى خراسان إلى إيران وما حولها ، وامتدت رقعة الإسلام في خلافة عثمان أيضًا حيث توسعوا في الفتوحات، ففتحوا الكثير من بلاد إفريقية والكثير من بلاد الهند والسند
وهكذا توسعت الخلافة، وتوسعت الفتوحات الإسلامية؛ وذلك بسبب أن الله تعالى ثبَّت وقوَّى هؤلاء الخلفاء، ونصرهم على أعدائهم، حيث إنهم صدقوا الله فصدقهم الله .
وعلى كل حال فخلافتهم هي الخلافة الحق، والطعن فيهم طعن في دين الله وشرعه ، وطعن في رسوله وأنه لم يبلغ البلاغ المبين، وطعن كذلك في أفاضل المسلمين وخيارهم .