اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
الثمرات الجنية شرح المنظومة البيقونية
32694 مشاهدة
الحديث المرفوع والمقطوع والموقوف

وَمَا أُضِيفَ لِلنَّبي المرْفوعُ وَمَا لِتابعٍ هـوَ المقطوع
الحديث المرفوع
قوله:
(وما أضيف للنبي المرفوع...وما لتابع هو المقطوع)


الحديث المرفوع هو: ما ينتهي إسناده إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله أو فعله أو تقريره، وينقسم إلى مرفوع صريحا، ومرفوع حكما.
فالمرفوع الصريح هو أن يُقال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو فَعَلَ النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا، أو فُعِلَ بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا، فهذا مرفوع صريحا.
أما المرفوع حكما فهو كلام الصحابي الذي يتورع عن الجرأة في الدِّين، ولم يأخذ عن الإسرائيليات ونحوها، وتكلّم بما لا مجال للرأي فيه، فإن له حكم الرفع؛ حيث إنه لا يُقال مثل هذا بالرأي وعلى هذا تحمل كثير من أحاديث الصحابة الموقوفة، فإنه يوجد أحاديث موقوفة على الصحابة كعمر وعثمان وعلي وابن عمر وأنس وجابر ونحوهم، فهذه الآثار أقوال يقولونها وأفعال يفعلونها لها أحكام ولا يمكن أن يفعلوها من تلقاء أنفسهم، بل لا بد أن يكونوا تلقوها عن نبيهم -صلى الله عليه وسلم- سواء كانت في العبادات أو في المعاملات، وسواء كانت أفعالا أو تروكا فإن لها حكم الرفع.

الحديث الموقوف
وقد ألحق بذلك بعضُ العلماء ما كان عن التابعين، ولكن الصحيح أن التابعي ما وقف عليه، فهو أقل رتبة مما وقف على الصحابي، فالصحابي إذا انتهى إليه الإسناد فإنه يسمى موقوفا، ولكن إن كان لا مجال للرأي فيه فهو مرفوع حكما، وإن كان للرأي مجال فيه فهو موقوف أصلا وفرعا، أما إن انتهى إلى التابعي -وهو الذي رأى الصحابة- كسعيد بن المسيب وقتادة ويزيد بن أبي زياد وليث بن أبي سليم والزهري وأشباههم، فإن ما وقف عليه يسمى مقطوعا .
الحديث المقطوع
(وما لتابع هو المقطوع).

يعني: ما وُقِفَ على التابعي وجُعِلَ من كلامه فإنه مقطوع، وقد دونت فتاواهم وأقوالهم، وما تركت تضيع، حتى ولو كانوا من التابعين؛ لأنهم تلامذة الصحابة، فاعتنى كثير من العلماء بأحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- المرفوعة ودَوَّنُوها، كأهل السنن وأهل الصحيحين ونحوهم.
وبعض العلماء الذين ألفوا في كتب الأحكام لم يقتصروا على المرفوع، بل ألحقوا به أقوال الصحابة وأقوال التابعين وأفعالهم واجتهاداتهم، ولو كان فيها شيء من الاختلاف،  فإنها تدل على أن هذه المسألة فيها مجال للاجتهاد، وقد نجد اختلافا عن بعض الصحابة فقد اختلفوا في المستحاضة كم تجلس؟ واختلفوا فيمن أتى حائضا هل يكفر أم لا؟ واختلفوا في إزالة النجاسة بكم تزول؟ لكن هذا الاختلاف يدل على أن هذه الأمور فيها سعة، وأن فيها مجالا للاجتهاد، وأنه ليس كل ما قالوه متحققا عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
فالحاصل أن ما أضيف إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسمى مرفوعا، وما أضيف إلى الصحابي يسمى موقوفا، وما أضيف إلى التابعي من كلامه أو فعله يسمى مقطوعا، فإن المسألة إما أن يوجد فيها نص مرفوع، فحينئذ يُستَدل به وتُطرَح أقوال غير الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذه طريقة الإمام أحمد فإنه إذا وجد في الباب حديثا لم يلتفت إلى غيره، وإذا لم يجد حديثا ووجد فيها أثرا عن الصحابة تمسك به إذا لم يختلفوا، فإذا اختلف الصحابة اختار القول الذي فيه أحد الشيخين أبو بكر أو عمر أو أحد الخلفاء، فإذا لم يجد عن الصحابة في المسألة شيئا فإنه يذهب إلى أقوال التابعين؛ لأنهم تلامذة الصحابة، فإذا لم يجد فيها شيئا اجتهد بنظره وأفتى بما يوجبه اجتهاده.