إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
الشباب والفراغ
7161 مشاهدة
أولا: الاستغلال الجيد للوقت

لا شك أن من الأمور الهامة أن يستغل الإنسان وقته فيما يفيد، فكيف السبيل إلى تحقيق هذه الفائدة؟!
إن السبيل إلى استغلال الوقت يكون بأمرين:
1- ترتيب الوقت.
2- استغلال المجالس.
وسنتكلم عن هذين الأمرين باختصار فنقول:
1- ترتيب الوقت:
فمن المهم أن ترتب وقتك، وتجعل لكل ساعة عملا؛ حتى تعرف كيف تعمل في هذه الساعة وهذا اليوم.
فأنت تحتاج مثلا إلى حرفة أو صنعة تكتسب منها الرزق، فتجعل لها جزءا من وقتك، فتجعل لها خمس ساعات، أو عشر ساعات مثلا لاكتساب الرزق الحلال.
وأنت محتاج أيضا إلى أداء أعمال تعملها لله، كالصلاة ونحوها، وهذه أيضا تجعل لها جزءا من وقتك، ساعتين أو ما شابه كل يوم.

وكذلك أنت محتاج لمجالسة أهلك وزملائك وأصدقائك، ويكفيك أن تجعل لهم ساعة أو ساعتين.
وهكذا يتبقى عندك حوالي اثنتي عشرة ساعة، هذه الساعات إذا جعلت للنوم منها ست ساعات مثلا، يتبقى لديك ست ساعات أخرى، ففي أي شيء تشغل تلك الساعات الباقية فيما تربح منه؟!
إن هناك أمورا ذات أهمية، إذا شغلت بها بقية وقتك فإنك سوف تستفيد، وإذا أضعته فإنك ستندم!!
* فهناك مثلا زيارات للعلماء والعباد، فاجعل لها ساعة أو ساعتين، إما أسبوعيا وإما يوميا، تستفيد منها في حياتك علما وعملا، وتربح بها حسنة تضاف إلى سجل حسناتك.
* وهناك أيضا أصدقاء ومحبون، إذا جالستهم تستفيد من مجالسهم خيرا وعلما وفقها وعملا، فإذا جعلت لأصدقائك الصالحين وقتا تستفيد منه، فإنك ستربح الربح الذي تجني فائدته.
* وهناك أيضا الدعوة إلى الله: وهي من الأعمال التي تقربك إلى الله -سبحانه وتعالى- وتكون هذه الدعوة بقولك أو بفعلك، وتجعل لذلك أيضا جزءا من وقتك.
* وهناك أيضا أعمال خاصة تكون بحاجة إليها، إذا استعملت فيها ساعة أو ساعتين استفدت منها.

فإذا فعلت ذلك، وقسمت وقتك نهاره وليله، فلم يذهب عليك جزء من الوقت إلا في طاعة الله، أو ما يستفاد منه في هذه الحياة - لم تخسر شيئا من حياتك، وبذلك تحرص على حفظ الزمان دون أن يذهب منه شيء، وتستغل وقتك في الشيء الذي يستفاد منه.
2- استغلال المجالس:
تكون المجالس عادة لكبار السن، وتكون تلك المجالس في بيت أحدهم، ويمر الوقت وهم في تلك المجالس، فكيف يقضون تلك المجالس؟ وكيف يمكن أن يستغلوها فيما يفيدهم؟
إن كثيرا من هؤلاء يشكون أنهم ليس لهم حرفة، وليس لهم عمل، فيقعون في أشياء تضرهم ولا تنفعهم!
فكيف السبيل إلى شغل هذه المجالس فيما ينفعهم؟
يمكن شغل هذه المجالس مثلا بقراءة القرآن وتدارسه، فإذا قرأ أحد أعضاء المجلس كتاب الله -عز وجل- واستمع الآخرون إليه، أليس ذلك من الحسنات؟
بل يستفيد هو، ويستفيد المستمعون إليه، وقد يبحثون في معاني آيات الله ومدلولاتها، فيحفظون وقتهم، ويزدادون حسنات، ويتعلمون ويتثقفون في أمور دينهم، ولا يضرهم أن يقضوا في ذلك ساعة أو ساعتين.

وهكذا يمكن شغل هذه المجالس بقراءة كتب الحديث والفقه وغيرها، فيقرأ أحدهم كتابا من كتب الحديث، أو الأحكام والآداب، أو كتب السير والتراجم، أو كتب الحوادث والأخبار والمواعظ أو الخطب.
فإذا قرأ عليهم يوما في هذا، ويوما في هذا، قضى في كل يوم ساعتين أو ثلاث ساعات، فاستفاد واستفادوا، وحفظوا بذلك وقتهم وأعمالهم، وتفقهوا في دينهم، وازدادوا عملا صالحا.
ولا شك أن ذلك سهل كما أنه هام، خاصة أن كثيرا منهم يبقون على جهلهم، وأن هذا مما يحفظ وقتهم، وتحصل منه الفائدة، ويتزودوا منه للدار الآخرة.
فإن ملوا من ذلك وضجروا فإنهم سوف يخوضون فيما بينهم ويتكلمون، وهنا ننصحهم بعدم أضاعة الوقت في القيل والقال، أو في الغيبة والنميمة، ونرشدهم إلى أن تشمل أحاديثهم فيما بينهم النظر في آيات الله الكونية ومخلوقات الله؛ فإن في ذلك فائدة عظيمة، يحفظون بها الوقت ويعتبرون، فتتركز العقيدة وتقوى في القلوب.
أيها الأخوة، تفكروا في آيات الله التي أمرنا أن نتفكر فيها ونعقلها، والتي يذكرها الله -عز وجل- دائما.

فنحن خلق الله -عز وجل- هو الذي خلقنا، ومكن لنا في هذه الأرض، نتعجب كيف خلق الإنسان؟ وكيف ركب؟ وكيف بث الله -سبحانه وتعالى- هذه المخلوقات على وجه الأرض؟ وكيف جعل لكل دابة رزقا؟ وجعل منهـا ما يطير بجناحين، ومنها ما يدب على الأرض؟
وتفكروا في هذا النبات المختلف ألوانه كيف جعله الله تعالى ينمو بهذا الشكل؟ وكيف جعل فيه هذه الثمار والأغصان؟!
وكيف بسط الله -عز وجل- الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك؟
فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
وكذلك أيضا إذا تدبر في الأبراج العلوية والأفلاك، والأجرام والنجوم، والشمس والقمر، والرياح، والسحب والأمطار، وما إلى ذلك، فإنه لا بد أن يشغل وقته فيما هو مفيد، وبذلك يزداد يقينه، ويعتبر أيما عبرة!
فإذا تكلموا أو عمر هؤلاء مجالسهم بذلك، أوشكوا أن يستفيدوا منها، ويحفظوا بذلك أعمارهم.
* كذلك يباح لهم أن يسأل بعضهم بعضا عما وقع من الحوادث والأخبار التي فيها عبر وفوائد، سواء في القريب أو البعيد، وكذلك يبحثون عما يهمهم من أمر الأمة الإسلامية، وما يهمهم في مجتمعهم، وكذلك يبحثون فيما أمروا أن يعملوه، أو يغيروه من الأعمال وما شابه ذلك، وسوف يجدون حوادث تهم المجتمع، وتحتاج إلى جهد الواحد منهم والجماعة، ويهمهم أن يعالجوها قبل أن تستفحل وتتمكن.
فإذا خاض المجتمع في مثل هذا أوشك أن ينتفع إن شاء الله، وإن كان هناك أناس ليس لهم همة ولا علو، فلا يحسون بحاجتهم إلى التعلم، فيتكلمون فيما لا يعنيهم!
وكذلك هناك آخرون يحسون أنهم قاصرون عن أن يتعلموا، فلا يجدون شيئا سوى أن يتكلموا عن شيء فيه مضرة أو لا فائدة منه.