إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
الشباب والفراغ
7154 مشاهدة
دوافع انحراف الشباب

لا شك أن هذه الحياة مملوءة بما يشغل الوقت، إما بما منه فائدة، وإما بما لا فائدة منه.
وإذا انتبه الشاب وتعلم الشيء الذي فيه فائدة، فإنه يستفيد من ذلك، وإذا لم يعرف الأمر الذي فيه فائدة فإنه سيقع بما فيه مضرة، وسيندم حينما لا ينفع الندم، لذلك فإنا نحرص أن نحث شباب المسلمين على حفظ أوقاتهم، وألا تضلهم تلك الفتن التي تمكنت من القلوب وافتتن بها الكثير.
ومعلوم أن الإنسان في أول عمره، وفي عنفوان شبابه لا بد أن يكون لديه دافع إلى شيء من اللهو، ومن اللعب وهذا شيء نشاهده، ولكن يكون ذلك دائما في سن الطفولة إلى سن المراهقة.
ولعل الحكمة في ذلك أن الله تعالى جعل في طبائع الصغار محبة الحركة، حتى تنمو بذلك أجسامهم، فأنت تشاهد الطفل مثلا من سنتين إلى خمس سنوات يكون دائم الحركة، لا يجلس جلوسا طويلا، ولو قلت له اجلس لمدة نصف ساعة، لما استطعت أن تحبسه.
وهذا من طبائع الشباب، ولكن قد يوفق الله الشاب أن تنصرف همته عن هذا اللهو واللعب، وأن يقبل على الطاعة والخير.

ويعد ذلك من علامات إرادة الله به خيرا، وذلك أيضا من العجائب التي تخالف العادة المألوفة، ولأجل ذلك ورد في الحديث: إن الله -عز وجل- ليعجب من الشاب ليست له صبوة . يعني ليس له ميل إلى اللهو واللعب.
فإذا رأيت الشاب من أهل هذا الزمان مقبلا على العلم والعمل، ومقبلا على الطاعة والعبادة، ومنصرفا عن أهل اللهو والباطل، ويرغب في الفائدة، فإنك تغبطه؛ لأنه أولا: خالف ما جرت عليه العادة في كثير من الشباب، وثانيا: خالف الفطرة أو الغريزة التي تدفعه إلى هذا اللهو واللعب، وثالثا: استطاع أن يتغلب على نفسه مع قوة الدوافع، بالرغم من كثرة هذه الدوافع في هذه الأزمنة. فملك نفسه، ولم تجتذبه هذه الدوافع.
وهناك دوافع كثيرة لانحراف الشباب لعل من أهمها:
1- الزملاء الكبار.
2- الزملاء الصغار.
3- المغريات.
4- الملاهي.
[open] 5- الشهوات... إلى غير ذلك.
[close]
ومع ذلك فإن الإنسان قادر على مقاومة ذلك كله، فإذا جاء إلى الشاب زملاؤه، وقالوا: هلم معنا، فلنذهب إلى الملعب الفلاني، سنذهب إلى طرف البلاد حتى نرفه عن أنفسنا، وحتى نرى ونرى، وحتى ننهي بعض الوقت!
فإذا رفضهم الشاب وقال: ما خلقنا للعب كما روي عن يحيى -عليه السلام- أنه قال له الصبيان: هلم فلنلعب. فقال: يا شباب، ما خلقنا للعب. يعني: خلقنا للعبادة والعمل وليس للعب.
ومتى قال هذا الشاب فإنه اقتدى في ذلك بنبي من الأنبياء، وهو يحيى ابن زكريا الذي قال الله فيه: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا إلى أن قال: وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا .
* كذلك فإن الشاب إذا دفعه بعض زملائه وقالوا: هلم نرفه عن أنفسنا في أحد المجالس، كأن نقرأ في هذه المجلات التي تحوي صورا وأخبارا، وفيها وفيها! وما شابه ذلك، رفضهم وقال: هذا من الفتنة، ونحن لا نحب أن نفتن في عقولنا، ولا في شهواتنا، ولا نريد أن نقع في الفتنة، ولا نقرب منها، لا أريدكم، ولا أحب مجالستكم وأنتم عاكفون على هذه الصحف أو المجلات التي يروى فيها كلام سيئ، أو فيها صور فاتنة!!
* وإذا طلب منه أهله مثلا أن يشترى لهم شيئا من الملاهي: كآلات الملاهي وأشرطة الفيديو ذات الأفلام الخليعة، رفض ذلك، وقال: لا أريد ذلك؛ فانه محرم شرعا، فإن الله حرم أسباب الشر، وأسباب الفساد، ونص على تحريم هذه الصور واقتنائها، وسماع الأغاني، ونحوها، ثم إن تلك الأشياء سبب وذريعة لما وراءها، وهو الفساد والشر، فتجد الشاب لا يوافق على ذلك، ولو كان مجتمعه وأهله عاكفون عليها.
وقد يوفق الله بعض الشباب الصالح إلى الاستقامة، ولكن يكون أبوه وأخوته ممن ينظرون في هذه الآلات الفاتنة طوال ليلهم، وطوال أوقاتهم، ويسمعون تلك الأشرطة الماجنة، أو يعكفون على سماع الأغاني، وما أشبه ذلك، ولكن ذلك يحزنه، فتغلبه الهداية والتوفيق، ويلهمه الله رشده ليصد عن ذلك، ويحاول أن يثني أهله، ويخفف من شرهم، ويحاول أن يجعلهم يتوبون، ويخرجون آلات اللهو من مجتمعهم، ويحاول أن يطهر إخوته، ويقنعهم فإذا لم يقتنعوا حرص على أن ينجو بنفسه ولو منفردا، وذلك كي لا يفتن؛ لأن من قارب الفتنة خُشي عليه أن يفتن في دينه وعقيدته.
* وقد يكون للشاب زملاء يدفعونه إلى المنكرات ويقولون له مثلا:
لماذا لا ترفه عن نفسك؟ ولماذا لا تمشي معنا وتفعل فعلنا؟ أنت متزمت.. أنت متعصب.. أنت متشدد.. أنت غال في دينك.. أنت، وأنت، وأنت!!
يقولون هذا وهم يقعون في كثير من المنكرات، فيقضون ليلهم على مسكرات أو مخدرات، أو على شرب دخان مثلا، ويسهرون طوال ليلهم، وينامون قرب وقت الصلاة، ولا يستيقظون إلا في الضحى، وتفوتهم الصلوات المفروضة، وربما لا يصلون، وربما يصلون الصلاة بعد خروج وقتها ذلك لمن يصلي منهم.
ثم بعد ذلك يريدون أن يفسدوك كما فسدوا حتى تكون مثلهم.
فننصحك أن تكون متمسكا بتعاليم دينك، ولو قالوا إنك متعصب، ولو قالوا إنك متشدد، انج بنفسك؛ حتى تكون من الذين يظلهم الله في ظله، كما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله فاجتمعا على ذلك وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه .
فجعل من السبعة الذين يظلهم الله بظله الشاب الذي نشأ في طاعة الله، وخالف ما تهواه نفسه، أو خالف ما يدعو إليه مجتمعه، سيما المجتمع الفاسد الذي يكثر فيه أهل الشر، وأهل الفساد.
وما أكثر الدعاة إلى الفساد في هذه الأزمنة، وما أكثر ما يعيبون به المتعبد الصالح!
* فإذا رأوه يستعمل السواك، وهم يستعملون بدله سجائر الدخان والعياذ بالله عابوه بأنه متطوع!
* وإذا رأوه يرتاد المساجد تنقصوه، ورأوا أن ذلك نقصا فيه، حتى أنهم يستهزءون كما ينقل لنا بمن يأمرهم بالصلاة في المساجد.
* فإذا قال لهم: صلوا، قالوا: أنت بالنيابة عنا صل عنا ركعتين، على سبيل السخرية.
إن الشاب الذي يفتح الله على قلبه في هذه الأزمنة مع كثرة المغريات، لا شك أنه إذا حفظ نفسه، وحفظ شهوته، وخالف الهوى فإنه يكون ممن ربط الله تعالى على قلبه.
ولا شك أن هناك مغريات كثيرة للكبار والصغار، فإذا صبر الإنسان على مخالفتها فهو ممن خالف هواه.
وهذه المغريات، إما شهوات أو شبهات، وهي مع كثرتها قد يعجز الإنسان عن مقاومتها، ولذلك فهو بحاجة إلى أمور لا بد أن نشير إليها باختصار.