القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
الفتاوى الذهبية في الرقى الشرعية
127803 مشاهدة
حقيقة العين

سؤال: ما حقيقة العين -النضل- قال -تعالى- وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وهل حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- صحيح، والذي ما معناه قوله: ثلث ما في القبور من العين وإذا شك الإنسان في حسد أحدهم فماذا يجب على المسلم فعله ؟ وقوله: وهل في أخذ غسال الناضل للمنضول ما يشفي؟ وهل يشربه أو يغتسل به؟
الجواب: العين مأخوذة من عان يعين إذا أصابه بعينه، وأصلها من إعجاب العائن بالشيء، ثم تتبعه كيفية نفسه الخبيثة، ثم تستعين على تنفيذ سمها بنظرها إلى المعين، وقد أمر الله نبيه محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالاستعاذة من الحاسد فقال -تعالى- وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ .
فكل عائن حاسد وليس كل حاسد عائنا، فلما كان الحاسد أعم من العائن كانت الاستعاذة منه استعاذة من العائن، وهي سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين، تصيبه تارة وتخطئه تارة، فإن صادفته مكشوفًا لا وقاية عليه أثرت فيه، وإن صادفته حذرًا شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه، وربما ردت السهام على صاحبها، من زاد المعاد بتصرف.
وقد ثبتت الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الإصابة بالعين، فمن ذلك ما في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني أن أسترقي من العين وأخرج مسلم وأحمد والترمذي وصححه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا وأخرج الإمام أحمد والترمذي وصححه عن أسماء بنت عميس أنها قالت: يا رسول الله، إن بني جعفر تصيبهم العين؛ أفنسترقي لهم? قال: نعم، فلو كان شيء سابق القدر لسبقته العين وروى أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغسل منه المعين .
وأخرج الإمام أحمد ومالك والنسائي وابن حبان وصححه عن سهل بن حنيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج وسار معه نحو مكة حتى إذا كانوا بشعب الخرار من الجحفة اغتسل سهل بن حنيف وكان رجلا أبيض حسن الجسم والجلد، فنظر إليه عامر بن ربيعة -أحد بني عدي بن كعب- وهو يغتسل، فقال: ما رأيت كاليوم ولا جلد مخبأة، فلبط سهل فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقيل: يا رسول الله، هل لك في سهل والله ما يرفع رأسه، قال: هل تتهمون فيه من أحد? قالوا: نظر إليه عامر بن ربيعة فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عامرًا فتغيظ عليه، وقال: علام يقتل أحدكم أخاه! هلا إذا رأيت ما يعجبك برَّكت. ثم قال له: اغتسل له فغسل وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في قدح، ثم صب ذلك الماء عليه، يصبه رجل على رأسه وظهره من خلفه، ثم يكفأ القدح وراءه، ففعل به ذلك، فراح سهل مع الناس ليس به بأس .
فالجمهور من العلماء على إثبات الإصابة بالعين؛ للأحاديث المذكورة وغيرها، ولما هو مشاهد وواقع، وأما الحديث الذي ذكرته: ثلث ما في القبور من العين فلا نعلم صحته، ولكن ذكر صاحب نيل الأوطار أن البزار أخرج بسند حسن عن جابر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالأنفس ؛ يعني: بالعين.
ويجب على المسلم أن يحصن نفسه من الشياطين من مردة الجن والإنس بقوة الإيمان بالله، واعتماده وتوكله عليه ولجئه، وضراعته إليه، والتعوذات النبوية، وكثرة قراءة المعوذتين وسورة الإخلاص وفاتحة الكتاب وآية الكرسي، ومن التعوذات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق و أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون وقوله -تعالى- حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ونحو ذلك من الأدعية الشرعية، وهذا هو معنى كلام ابن القيم المذكور في أول الجواب.
وإذا علم أن إنسانًا أصابه بعينه، أو شك في إصابته بعين أحد، فإنه يؤمر العائن أن يغتسل لأخيه، فيحضر له إناء به ماء؛ فيدخل كفه فيه فيتمضمض، ثم يمجه في القدح ويغسل وجهه في القدح، ثم يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمنى في القدح، ثم يدخل يده اليمنى فيصب على ركبته اليسرى، ثم يغسل إزاره، ثم يصب على رأس الذي تصيبه العين من خلفه صبة واحدة؛ فيبرأ بإذن الله.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .