إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
القمار
10687 مشاهدة
الشرع ومصادر الرزق الحلال

إن الله -سبحانه وتعالى- كما بيّن لنا ما فيه صلاح ديننا كذلك بيّن لنا ما فيه صلاح دنيانا.
فقد بين لنا -سبحانه- كيف نكتسب المال، وفي الوقت نفسه نهانا عن إضاعته، وذلك دليل رحمة الله بالعباد وإرشادهم إلى ما فيه مصلحتهم، ذلك أن الإنسان لا يستغني في حياته عن تملك المال، ولا يستغني عن أن يكون له مال ينفق منه ويتعفف به ويقوت به من يعوله.
وقد بين الله لنا وجوه المكاسب الحلال وكذلك بيَّنها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك بين الله لنا أيضا وجوه المكاسب المحرمة التي فيها ضرر، سواء أكان خاصا أو عاما حتى نكون على بصيرة من ديننا، فإذا اقتصرنا على المكسب الحلال، وتجنبنا الحرام بورك لنا في سعينا، وبورك لنا في المال الذي بين أيدينا، ونبتت أجسادنا من المال الحلال، فإذا نبتت أجسادنا وأجساد ذريتنا من المال الحلال صلحت به قلوبنا، ثم صلحت به أعمالنا؛ بخلاف ما إذا تعاطينا المال الحرام الذي يكتسب من أي وجه من الوجوه المحرمة، من قمار أو ميسر أو غيره، فإن اللحم الذي ينبت على حرام يكون مُعَرَّضًا للعذاب، روي عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به . يعني تغذى على حرام، والسحت هو المحرم، قال الله تعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ .
فإذا تغذى الإنسان بهذه المكاسب من القمار والميسر وما أشبهه، ونما بها ماله، ونما بها جسده، وخلَّفها لولده، كانت هذه الأجساد التي تغذت بهذه الأشياء المحرمة وقودًا للنار والعياذ بالله؛ وكان ذلك زادها في الآخرة إلى العذاب، بخلاف ما إذا حمى الإنسان نفسه وحرص على اكتساب الحلال فإن ذلك له فوائد عديدة.
كذلك أيضا يَرِدُ عن بعض الأعداء أو بعض الملاحدة الذين يقولون: ما للشرع والتدخل في الأموال، فالناس أحرار في أموالهم، يفعلون ما يريدون، ويكتسبون ما وقع بأيديهم، وما حصلوا عليه؟!! فيقصرون الشرع على العبادات، وعلى الأمور الغيبية وما أشبهها!!
لا شك أن هؤلاء الذين يقولون مثل هذه الأقوال هم رسل الشيطان، وهم دعاة الملاحدة ودعاة الكفرة الذين يدَّعون أن الناس أحرار في أموالهم، يفعلون ما يريدون، يعطون الأموال لمن يريدون، ويكتسبون حلالا وحراما!! وينفقون فيما اشتهوا من غير أن يلحقهم لوم ولا عيب عليهم في إسرافهم ولا في تبذيرهم ولا في سرقتهم ولا في أكلهم المال بالباطل!!
فيبيح هؤلاء الأعداء للناس بأن يأخذوا المال من حيث أرادوا، ويقول أحدهم: إن الحلال ما حل في يدي! ولا فرق عند أحدهم بين المال المسروق والمغتصب والمنتهب والمقمور، وما أشبه ذلك، ويتهمون الشرع بالتدخل فيما لا يحل له، وفيما لا يعنيه ويقصرونه على المسجد، فليس له دخل في المعاملات ولا في النظم، ولا في الأحكام، ولا في المعاهدات ولا في الأموال، ولا في المبادلات وغيرها!!! هكذا ينشر ويتكلم هؤلاء الشياطين ورسل الشياطين.
ولا شك أن هذه حجج باطلة، وأن الشرع تعرض لكل شيء فيه نفع الإنسان، وإنما أمرنا بما فيه صلاحنا، ونهانا عما فيه ضرر علينا، سواء أكان في ديننا، أو في دنيانا.
كما أن الشرع بيَّن لنا ما نعتقده، وما نعقد عليه قلوبنا، فكذلك بين لنا ما نتعامل به، وما نتطوع به، وما نتعبد به، وما نفعله لطلب رضى الله تعالى.
كذلك بيَّن لنا الشرع ما نعمله مع بني جنسنا، وما نعمله من الأسباب التي نكتسب بها الرزق الحلال، وبين لنا الأشياء المحرمة حتى نتجنبها.
وبين لنا أيضا المعاملات التي متى تعاملنا بها مع المسلمين حصلت فيما بيننا الأخوة والصداقة، وحرم الأشياء التي متى عملناها حصلت فيما بيننا البغضاء والشحناء والمقاطعة والعداوة، وما أشبه ذلك.
وكذلك بين لنا الشرع أن الرزق الحلال سبب لإجابة الدعوات، وسبب لسعادة الدارين فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، يا رب.. يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له ؟!
فبين بذلك أن الحلال سبب لإجابة الدعوة، وأن الحرام سبب لردها وعدم قبولها، لذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- سعدا بإطابة المطعم؛ لَمَّا طلب منه أن يكون مستجاب الدعاء. فقال -صلى الله عليه وسلم- أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة .
فهذا رد على هؤلاء الأعداء، نقول لهم: إن الله -تعالى- قد أجرى العادة بأن طِيبَ المطعم سبب لإجابة الدعوة وخبيثَه سبب لردِّها.
فأنتم الذين أبحتم للإنسان أن يكتسب ما حل بيده، وأن يسرق وأن ينهب، وأن يقامر، وأن يفعل كل ما يكون سببا للحصول على المال من غير نظر للأحكام الشرعية التي هي حلال وحرام، قد أمرتموه بأن يتعاطى الأسباب التي تكون سببا في رد دعوته، وتكون سببا في تعذيبه في الدار الآخرة.