جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .
الكسب الحلال أهميته - وآثاره
12183 مشاهدة
وعيد شديد

لقد عذر الله الذين أكلوا الربا فيما سبق، وقال: إذا انتهوا وتابوا فلهم ما قد قبضوه، ولهم ما قد أكلوه، وأما في المستقبل فإن عليهم أن يتوبوا، فإن لم يتب أحدهم فليستعد للعذاب، ومن عاد فأولئك مأواهم النار -والعياذ بالله- قال تعالى: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 275] وهذه عقوبة كبيرة، نسأل الله السلامة والعافية.
ولأجل هذا الوعيد الشديد فقد عد النبي -صلى الله عليه وسلم- الربا من السبع الموبقات فقال -صلى الله عليه وسلم- اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: يا رسول الله، ما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات .
فهذه هي السبع الموبقات التي هي من كبائر الذنوب، فجعلها موبقات أي: مهلكات توقع في الهلاك والتردي. وقال تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ [البقرة: 276]. والمحق هو قلة البركة، فإن أصحاب الأموال الربوية، ولو ربت أموالهم وكثرت أرباحهم، ولو ملكوا أموالا وتجارات كثيرة، ولو كثر خيرهم ورزقهم ومالهم، فإن قلوبهم ليست غنية، بل لا يزالون يلهثون ويطلبون المال! فكأن قلوبهم فقيرة؛ وذلك من محق البركة: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا أي: يقلل بركته وقيمته في قلوب أهله. وقد يكون المحق حسيًّا، بمعنى أن الربا يصير ماحقا وماحيا للكسب، فيقع صاحبه في الخسران المبين، وكساد التجارة والبوار، وما ذاك إلا عقوبة عاجلة!!
لذا كان الواجب على آكل الربا أن يخاف من هذا الوعيد الذي هو محق البركة، ومحق الرزق.
أما الصدقات فإنه -سبحانه وتعالى- يربيها ويضاعفها، قال الله تعالى: يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ومعنى يربيها: يضاعفها لأهلها، كما فى قوله تعالى: وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ [الروم: 39]. ثم قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 277، 278].
فأمرهم الله تعالى في هذه الآيات أولا بالتقوى، بعد أن ناداهم بالإيمان، أمرهم بتقوى الله التي هي الخوف منه وتوقي عذابه، ومن أسباب ذلك الخوف من فعل المحرمات، فإن الذي يفعل المحرمات لا يأمن العذاب، فعليه أن يتقي الله، وعليه مع التقوى أن يذر ما بقي من الربا، فيترك الأموال التي بها ربا، الباقية في ذمم الناس، ففي قوله تعالى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ أي: اتركوا ما بقي من الربا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ أي: إن كنتم صادقين في أنكم قد آمنتم وصدقتم وابتعدتم عمّا حرَّم الله! فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [البقرة: 279].
روي أنه يقال للمرابي يوم القيامة: قم حارب الله ورسوله! وماذا يفعل ذلك الضعيف؟! فقد ذكر الله تعالى عن المنافقين أنهم يخادعون الله وهو خادعهم!
فكذلك الذين يحاربون الله ورسوله، إنهم مغلوبون في أية جهة، والله تعالى هو الغالب!
ثم قال تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [البقرة: 279]. ومعنى ذلك أنك إذا تبت فلك من الآن أن تقتصر على رأس مالك، ولا تأخذ الزيادات -التي هي الربا- ولا تَظْلم ولا تُظلم، فاقتصر على رأس مالك، وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ أي: ذلك المدين الذي في ذمته هذا المال إن كان ذا عسرة فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ فإذا كان معسرا فاصبر عليه وأمهله حتى يجعل الله بعد عسر يسرا فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ أي: أنظره إلى أن يأتيه اليسر والثروة!
فمثل هذه الآيات في صراحتها يجب أن يتأملها المسلم، وقد أيدتها أيضا الأحاديث الصريحة.