الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
الكنز الثمين
91759 مشاهدة
تقديم فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، ونشكره ولا نكفره ونخلع ونترك من يفجره، ونسأله الهداية والتوفيق لأقوم طريق، فمن يهدي الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، نحمده سبحانه ونشكره، فله النعمة وله الفضل، وله المن وله الثناء الحسن.
ونشهد أن لا إله إلا الله، ولا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا إياه، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، ونشهد أن محمدا عبده ورسوله، الصادق الأمين، الذي أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا، ونشهد أنه بلغ ما أنزل إليه، وأوضح ما أوحي إليه، وجاهد في الله حق جهاده، ودعا إلى عبادة ربه، وإخلاص الدين له، فهدى الله به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به أهل الغواية، فصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته الذين ساروا على نهجه، وقاموا بدعوته، وتمسكوا بشريعته، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:
فإن من واجب كل مسلم بذل النصح والتوجيه للأمة الإسلامية حسب جهده ومقدرته وذلك هو الدين كله، كما في الحديث الذي رواه مسلم عن تميم الداري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الدين النصيحة -ثلاثا- قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم . وفي الصحيحين عن جرير البجلي -رضي الله عنه- قال: بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم .
وإن من النصيحة للأمة تعليمهم ما يهمهم في أمر الدين والدنيا، وتحذيرهم من كل ما يضرهم ويؤذيهم، وذلك أن الإنسان في هذه الدنيا قد احتوشته الأعداء، وأحدقت به من كل جوانبه.
فالشيطان الرجيم يدعوه ويسول له، ويعده ويمينه؛ ليوقعه في الكفر، أو في البدع، أو في المعاصي، وقل من ينجو من كيده وتسويله.
كما أن النفس الأمارة بالسوء تميل إلى الشهوات، وتستثقل الطاعات.
كما أن الهوى يعمي، يصم.
الدنيا تتزين له بزخرفها ومتاعها الفاني.
فمع تجمع هذه القوى على كل فرد قد يضعف قلبه عن مقاومتها، ويفرغ صبره، فلا بد أن يجد من يمده بقوة، ويحثه على التحمل والثبات، مهما تكالبت عليه القوى الإبليسية وأعوانها، ولا شك أن هذا مما يوجب على كل مسلم أن يبذل جهده في إنقاذ المسلمين، وتخليصهم مما قد علق بأذهانهم وأفكارهم من الأوهام والدعايات والشبهات، فإن كل مسلم على ثغر من ثغور الإسلام، فعليه الحذر أن يؤتى الإسلام من قبله.
ويتأكد على حملة العلم وطلبته أن يستشعروا حاجة الأمة إلى ما وهبهم الله من العلم والمعرفة؛ ليقوموا بجهدهم في تعليم الأمة ما ينفعها، ونشر العلم الصحيح بين الأفراد والجماعات؛ حتى لا تتخبط الأمة في ظلمات الجهل والتقليد الأعمى، وحتى يخرجوهم من الظلمات إلى النور، ويوضحوا لهم سبيل النجاة، لتكون الأمة على بصيرة من أمر دينها، ولتعمل على نور وبرهان، فمتى سكت أهل العلم عن البيان، أو أخفوا ما عندهم من العلم الصحيح، فإنه يذهب ذلك العلم الذي بذلوا في تحصيله جهدا كبيرا، ويتلاشى من صدورهم أو ينسى بموتهم، فإن كتموه وهم يرون مسيس الحاجة إليه، كبر إثمهم وعظم جرمهم، فقد ورد الوعيد الشديد لمن كتم العلم، كما قال تعالى: وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ . والحق هو العلم المتلقي من الله تعالى بواسطة الرسل، وكتمانه إخفاؤه مع وجود الحاجة في الأمة، وقد ورد في الحديث المشهور عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار . وهو حديث حسن رواه ابن عبد البر في أول كتاب العلم بإسناده من عدة طرق .
ولأجل ما تقدم قام بعض الأخوة الصالحين -كما نحسبهم ولا نزكي على الله أحدا- بجمع هذا المجموع وترتيبه، وهو عبارة عن مقالات ومحاضرات وأجوبة صدرت منا في بعض المناسبات، وقد أفرغها من الأشرطة وعرضها علينا للتصحيح والموافقة، وأضاف إليها بعض ما سبق نشره من الرسائل والنسخ، ولعل قصده أصلا نفع الجمهور بما يحويه هذا المجموع، دون المصالح الدنيوية والعرض الحاضر.
وبعد:
فليعلم أن أكثره كان محاضرات ارتجالية، لم يسبقها تحضير ولا إعداد، وأن ما وقع من الخفاء والارتباك في الألفاظ وعدم التناسب، وعدم استيفاء الأدلة، ومن ذكر بعض الآثار بالمعنى، ونحو ذلك، هو من أجل الارتجال الذي يستدعي أن يتكلم المحاضر بما في ذهنه، ويتلفظ بما يتذكره مع طول العهد ببعضها، وحيث أن المعاني واضحة في الغالب، فإن القصد حاصل، وهو نفع المطالع بما تيسر، مع العلم أن ما في هذه المقالات ليس جديدا، بل هو من كلام العلماء السابقين، ومع أن الكتب متوفرة والحمد لله، فقد تيسر نشر كتب الأولين وفتاواهم، وكذا فتاوى مشايخنا وعلماء أهل السنة، وفيها الكفاية لمن قصد الحق، والله الهادي إلى الصواب، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين