إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
الكنز الثمين
89433 مشاهدة
ختم النبوة

الأمر الخامس: ختم النبوة.
لما كانت هذه الشريعة لجميع الخلق، وقد كلف بها جميع العباد في أقطار البلاد، فإنما ذلك لكونها خاتمة الشرائع، وآخر الرسالات المنزلة من السماء، فيجب علينا الإيمان بأن محمدا - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء وآخر الرسل قال الله تعالى: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ .
وقد قرئ بفتح التاء وكسرها، وأصل الخاتم ما يختم به ما قبله، ومنه ما تختم به الرسائل حتى لا يضاف إليها شيء ليس منها، والمعنى أنه - صلى الله عليه وسلم - آخر الأنبياء الذين أرسلهم الله إلى الخلق، فيلزم من كونه خاتم الأنبياء أن يكون آخر الرسل، وقد روى مسلم وغيره، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بنيانا، فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به وبعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟! قال: فأنا اللبنـة وأنا خاتـم النبيين .
وروى مسلم أيضا: عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي .
وفي سنن أبي داود وغيره في حديث ثوبان الطويل: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي .
فيجب الإيمان بأنه -صلى الله عليه وسلم- آخر الأنبياء، وأن من ادعى النبوة بعده فهو كاذب، وأن عيسى بن مريم -عليه السلام- حين ينزل في آخر الزمان، إنما يحكم بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كفرد من أفراد هذه الأمة، وإن كان ينزل عليه الحي، لكنه لا يخرج عن هذا الشرع الشريف. وعلى هذا فكل من زعم النبوة أو ادعى الرسالة في هذه الأمة، فهو كذاب أفاك، ضال مضل، ولو أتى بمخرقة أو شعوذة، ولو سحر أعين الناس بأنواع من السحر والبهرج، الذي يروج على الرعاع والجهلة من العوام، كما جرى على يدي الأسود العنسي ومسيلمة الكذاب من الأحوال الشيطانية، والترهات الباطلة التي يعلم كذبها كل ذي عقل سليم، وكذلك غيرهما ممن ادعى النبوة وحصل له أتباع وشوكة، وفتن به بعض الناس، ومن آخرهم غلام أحمد القادياني الذي انتشر شره، وفتن بشبهته طوائف وأمم في الهند والسند وكثير من البلاد، وهكذا كل مدع للنبوة إلى يوم القيامة، وآخرهم الدجال الكذاب الذي وردت السنة بأمره وبيان فتنته والتحذير من شره، وقد قال تعالى: هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ .
فهذا يدل على أن أولئك الكذابين تنزل عليهم الشياطين، وتخيل إليهم أن ما يأتيهم وحي من الله، ولكن سنة الله في خلقه أن يجعل على الحق نورا، وأن الخرافات والأكاذيب لا بد وأن ينكشف أمرها، ويتجلى لأولي الألباب.