اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
الكنز الثمين
92170 مشاهدة
تفسير معنى دعاء العبادة ودعاء المسألة

أولا : تفسير معنى دعاء العبادة ودعاء المسألة
قال الكاتب في الصفحة الثالثة في السطر السابع:
[(النداء) لغة معناه الدعاء، وهو لا يتقيد بالعبادة إلا إذا كان لله -عز وجل- أما النداء لغير الله فيرجع إلى عقيدة الداعي، إن كان يعتقد فيمن يناديه أنه يضر وينفع ويعطي ويمنع من غير إذن الله فقد أشرك ..إلخ].
والجواب:
لقد خبّط هذا الكاتب، وخلط، وأخطأ في الكثير مما قاله أو تعمده، فأنبِّه على أهم أخطائه فيما يأتي:
أولا: ذكر أن الدعاء لا يتقيد بالعبادة إلا إذا كان لله -عز وجل- أما النداء لغير الله فيرجع إلى عقيدة الداعي .. إلخ.
وهذا قول باطل بعيد عن الصواب، صدر عن جهل بحقيقة الدعاء وبحقيقة العبادة، وبالأدلة الواردة على ذلك، وأنا أشير إلى شيء من ذلك:
فأقول: أما الدعاء: فهو لغة: النداء، ويطلق شرعا على: دعاء العبادة ودعاء المسألة، وهما متلازمان:
فدعاء العبادة هو: فعل كل الطاعات، وأداء جميع القربات امتثالا لأمر الله، وتقربا إليه، وهو متضمن دعاء المسألة، فإن المصلي داع بلسان الحال، فكأنه يقول: إنما أصلي طلبا لرضا الله وجزيل ثوابه، وهكذا في جميع الأعمال الصالحة لسان حال من يفعلها يقول: أريد من فعلها مغفرة الله وجنته، فهو سائل في نفس الأمر.
أما دعاء المسألة فهو: السؤال والطلب، كسؤال الجنة والتعوذ من سخط الله، ومن النار ونحو ذلك، وهو ولا بد ستلزم لدعاء العبادة، فإن حقيقة العبادة الذل والخضوع، والتواضع والإذعان، فالذي يدعو ربه يسأله حال تذلل وخشوع وإنابة وإخبات، فالسؤال دعاء، والذل عبادة، وهكذا المصلي، والصائم، والمتصدق، والذاكر، والقارئ، والطائف، والعاكف، والراكع، والساجد، فإن كلا من هؤلاء حال فعله يكون راغبا في فضل الله، طالبا لمنه وعطائه، ويكون مع ذلك متذللا ومذعنا، منقادا لأمر الله، خاضعا مخبتا له، وذلك هو حقيقة العبادة.
ومتى كان كذلك ورأينا من يسأل ربه من فضله ويمد إليه يد الافتقار ويلهج بالدعاء مستمطرا من فضل ربه، فإنّا نسميه داعيا سائلا لله، فإذا كان مع ذلك قد أهطع وأقنع وخشع وتذلل، وتواضع حال سؤاله، فهو لذلك عابد لربه ظاهرا، نحكم بذلك حسب ما رأينا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: الدعاء هو العبادة ثم قرأ قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي الآية . ووجه الدلالة من الآية أنه تعالى أمر بدعائه، وذم المستكبرين عن عبادته، والقرينة تدل على أن المراد يستكبرون عن دعائي وقال تعالى: قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ فجعل دعاءهم عبادة، وقال عن الخليل عليه السلام: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ثم قال: فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
فعبر بالعبادة عن الدعاء، وبعد أن عرفت حقيقة الدعاء وحقيقة العبادة وتلازمهما، فإن الأدلة واضحة على أن الدعاء حق الله لا يُصرف منه شيء لغير الله، قال تعالى: فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا . وقال: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ . وقال: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ونحوها من الآيات.
ثانيا: أما قول هذا الكاتب: [أما النداء لغير الله فيرجع إلى عقيدة الداعي، إن كان يعتقد فيمن يناديه أنه يضر وينفع، ويعطي ويمنع، من غير إذن الله فقد أشرك].
نقول: إن دعاء غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك مطلقا، سواء كان المدعو ملكا، أو نبيّا، أو وليا، أو جنِّيّا، أو صالحا، أو شريفا، أو سيدا، أو شجرا، أو قبرا، أو غير ذلك، فأما إن دعى إنسانا حيّا حاضرا قادرا وطلب منه ما يقدر عليه، كقوله: يا فلان اسقني، أو أطعمني، أو احملني، أو احمل رحلي، ونحو ذلك فهذا جائز، وهو من الأفعال المحسوسة، التي لا يزال الناس يفعلونها ويعين بعضهم بعضا على فعلها. وكذا إن قال: يا فلان ادع الله لي بالمغفرة والجنة، أو أشركني في صدقاتك، أو وقفك، أو دعواتك ونحوها، فإن دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب مما يثيبه الله عليه، وهذا بخلاف ما إذا قال: اغفر ذنبي وأدخلني الجنة، أو خذ بيدي عن النار ونحو ذلك، فإن هذا لا يجوز فعله مع الحي فضلا عن الميت؛ لأنه مما لا يقدر عليه إلا الله، فلا يطلب إلا منه تعالى.
فنحن نستدل بفعل الإنسان على عقيدته، فمتى رأينا شخصا وقف عند قبر إنسان معظَّم في نفسه، وخضع برأسه، وتذلل، وأهطع، وأقنع، وخشع، وخفض صوته، وسكنت جوارحه، وأحضر قلبه ولبّه، أعظم مما يفعل في الصلاة بين يدي ربه عز وجل، وهتف باسم ذلك المقبور، وناداه نداء من وثق منه بالعطاء، وعلق عليه الرجاء ونحو ذلك، فإننا لا نشك أنه والحالة هذه يعتقد أنه يعطيه سؤله ويدفع عنه السوء، وأنه يستطيع التصرف في أمر الله، ففعله هذا دليل سوء معتقده، فلا حاجة لنا أن نسأله: هل أنت تعتقد أنه يضر وينفع من غير إذن الله؟ فالله تعالى ما كلفنا أن ننقب عن قلوب الناس، وإنما نأخذهم بموجب أفعالهم وأقوالهم الظاهرة، وهذا الشخص قد خالف قول الله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ .
وقد رأينا خشوعه وتذللـه أمام هذا المخلوق الميت، وذلك هو عين العبادة كما عرفنا، فنحكم عليه بموجب فعله وقوله بأنه قد أشرك بالله وتأله سواه، فإن الإله هو الذي تألهه القلوب وتعظمه، وتحبه وترجوه، وتخافه وتعامله بما لا يصلح إلا لله، ولو لم يسمه الفاعل إلها، ولو لم يسم فعله تألها وتعبدا، فإن العبرة بالحقائق وما في نفس الأمر بخلاف الأسماء، فأهل هذا الزمان لما جهلوا حقيقة العبادة والتأله والدعاء ونحوه الذي هو من حق الله ولم يعرفوا معانيها وأصل وضعها صرفوها لغير الله، وسموا ذلك توسلا واستشفاعا وتبركا واحتراما وهو عين عبادة ذلك المخلوق، وعين الشرك الذي توعد الله عليه بالنار وحرمان الجنة.
ثالثا: ثم قال الكاتب في الصفحة الثالثة في أول السطر التاسع: [أما من اعتقد فيمن يناديه بأنه من أهل العطاء، وما ملك إلا بتمليك الله، ولا يتصرف إلا بإذن الله فهو موحد…إلخ].
فنقول: لا حاجة لنا في التنقيب عن معتقده، الذي يقوم بقلبه فإنه أمر خفي، وقد يقول بلسانه ما ليس في قلبه، فنحن نأخذه بالظاهر، فإن أفعاله تعبر عن ما في ضميره ولو حاول تغييره لم يستطع.
ثم نقول أيضا: كيف يصلح اعتقاد أن المخلوق من أهل العطاء، أي أنه يملك أن يعطي من يشاء مغفرة، ورزقا، ومالا، وولدا، وصحة، وغنى، ... إلخ؟ فإن الذي يملك ذلك هو الله وحده، كما وصفه نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقولـه: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت .
وقد أخبر الله عن كل ما يُدْعَى من دونه بأنهم: مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ .
وإن أراد الكاتب أنه من أهل العطاء، أي الذين أعطاهم الله نوعا من التصرف والملكية، فهذا لا دليل عليه، وإنما خصائص الأنبياء نزول الوحي عليهم وتكليفهم بالتبليغ عن الله ما نزل إليهم، ولم يعطهم شيئا من حقه الذي هو الدعاء والعبادة والتأله، ولا ملكهم رزق العباد، وهبة الأولاد، وشفاء الأسقام البدنية، وغفران الذنوب ونحوها، وعلى هذا فمن اعتقد في نبي، أو ملك، أو ولي، أو مخلوق، أنه مفوّض من الله في إهلاك من شاء، أو إعطاء من أراد، أو إدخال جنة أو نار، فقد صادم النصوص، وأشرك المخلوق في حق الخالق؛ فإن الله تعالى قال لرسوله محمد -صلى الله عليه وسلم، وهو أشرف الخلق وأفضلهم- إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ . فإذا كان سيد الخلق وخاتم الرسل لا يقدر على هداية عمه أو أقاربه، فكيف يهدي أبعد الخلق وأشقاهم إذا دعوه مع الله وصرفوا له ما لا يستحقه إلا الله؟! ‍ولقد أمره الله تعالى أن يعترف بعدم ملكيته لشيء من ذلك؛ لأنه حق الله وحده، قال الله تعالى: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا . والرشد: الهداية القلبية وإيصال الإيمان إلى القلوب، بخلاف البلاغ والبيان، فإنه وظيفته ورسالته كما قال تعالى: إِِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ . وقد أخبر بأنه يهدي إلى الحق، أي: يدل عليه، كما قال -عز وجل- وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . والمراد: هداية البيان والدلالة والإرشاد، فأثبت هداية البيان ونفى هداية التوفيق والإلهام وقبول الإسلام، فمع هذه النصوص الصريحة كيف يقال: إن المخلوق يملك بتمليك الله الهداية والإضلال، والإعطاء والمنع، والإحياء والإماتة، أو يتصرف بإذن الله في الكون فيرسل الرياح ويثير السحب، وينزل المطر، وينبت النبات، ويخلق، ويرزق؟!
كل هذا جرأة على الله، وإنما جعل الله من معجزات عيسى ابن مريم -عليه السلام- شيئا من ذلك بإذن الله، ثم انقطع برفعه إلى السماء، ولم يذكر الله تعالى أن أحدا من الأموات أو الغائبين يهدي من أحب، أو يرزق من يشاء بإذن الله، بل قال تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ .
فهل يقال بعد هذا إنه هو أو من دونه بعد موته يملك بتمليك الله النفع والضر، والإعطاء والمنع؟ وأنه بناء على ذلك يُطْلَبُ منه كما يُطْلَبُ من الله! فَيُدْعَى وَيُرْجَى وتعلّق عليه الآمال ويخشع له العبد ويتواضع! ويقف أمام قبره خاضعا ذليلا وخائفا راجياً، فإن هذا كله لازم قول هذا الكاتب؛ حيث أباح نداءه وجعله مالكا متصرفا فيما هو من خصائص الرب تعالى، وقد صح عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لعشيرته الأقربين : أنقذوا أنفسكم من النار لا أغني عنكم من الله شيئا وقال لعمه العباس: لا أغني عنك من الله شيئا .
وهكذا قال لعمته ولابنته فاطمة الزهراء وأمرهم بأن يعملوا عملا صالحا لوجه الله، ينقذون به أنفسهم من النار، ولا يعتمدون على قرابتهم منه أو شرفه عند الله، بل قال -صلى الله عليه وسلم- في حديث آخر: ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه .
وكل هذا حث للمسلم أن يعمل لله عملا خالصا لوجهه يكون سببا لنجاته يوم القيامة، فلا يعتمد على نسب، ولا حسب، ولا يرغب إلى أي مخلوق يدعوه أو يرجوه، أو يخافه أو يعظمه كتعظيم الله تعالى، أو يعقد عليه أمله أو يعتقد أنه يملك من أمر الله شيئا مع قول الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ . وقوله: قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ . فهل ذكر الله تعالى أنه قد ملك أحدا من خلقه شيئا من حقه؟ أو فوَّض إليه التصرف في عباده بأن يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ولقد قال تعالى: وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ . وقال -عزوجل- وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ . أي لا أحد يتولى أمرهم، ولا أحد يقدر على هدايتهم، ولو توسلوا بالأنبياء والأولياء والملائكة والصالحين والأصفياء، والقصد من ذلك أن يُقبل العباد بقلوبهم على ربهم، ويَصْدُقُوا الرغبة إليه، ويدعوه مخلصين له الدين، وينصرفوا بقلوبهم وأعمالهم عن كل مخلوق؛ تحقيقا لوصف العبودية التي هي غاية الذل مع غاية الحب، فهو -سبحانه- قريب مجيب، كما قال تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ .
فهو أعلم بعباده، وهو المطلع على الضمائر والنيات، ويعلم ما تكنه الصدور وما توسوس به النفوس، ويعلم السر وأخفى، فكيف مع ذلك يعدل عنه العباد؟ وكيف يحتاج إلى من يُعرِّفه بخلقه؟ وكيف يكون المخلوق أعلم من الرب الخالق تعالى بما في قلب الداعي؟ فالصدود عن الخالق إلى أحد من المخلوقين فيه غاية التنقص للرب -عز وجل- وسوء الظن به أنه لا يعلم بعباده حتى ينبهه غيره من المخلوقين، تعالى الله علوا كبيرا.