(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
53317 مشاهدة
الحث على إنفاق المال لمستحقيه

...............................................................................


والحاصل أن الله تعالى وصفه في هذه الآية بأنه من أهل الفضل، ومن أهل السعة، والآية نزلت بلفظ الجمع أولو الفضل يعني أهل الفضل والسعة ليدخل فيها أبو بكر وغيره، وإن هناك كثيرين غيره اتصفوا بأنهم من أهل الفضل وبأنهم من أهل السعة ونزلت الآية في مسطح في قوله أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى ؛ ولكن الآية أيضا ذكرت بلفظ الجمع أولي القربى والمساكين لم يقل: القريب والمسكين والمهاجر؛ بل ذكر ذلك بلفظ الجمع وذلك ليحث على صلة من كانوا هكذا من ذوي الحاجات سواء كانوا أقارب أو غيرهم ولكن إذا كان قريبا اتصف بهذه الصفات الثلاث؛ فكان له حق في كل صفة؛ وإلا فله حق في الصفتين صفة المسكنة وصفة الهجرة، ونقول: كذلك أيضا في صفة المسكنة ولو لم يكن من المهاجرين إذا اتصف بأنه مسكين فإن له حقا على إخوانه المسلمين. المسكين هو الذي دخله أقل من كفايته أي تلحقه حاجة فله حق على أولي السعة وأولي الفضل.
وصف الله هؤلاء المستحقين بهذه الثلاث صفات، وكل صفة منها صفة خير الصفة الأولى: القرابة، أولي القربى وذلك -بلا شك- يختص بذوي الحاجة منهم مع أن القرابة لهم حق الصلة ولو كانوا أغنياء، وليس ذلك خاصا بإيتائهم من الأموال؛ بل صلتهم وزيارتهم واستزارتهم، ومحبتهم ونصحهم وإيثارهم وتعليمهم وما أشبه ذلك قال الله -تعالى- وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ يعني أعطهم حقوقهم، حقوقا مالية أو حقوقا معنوية.
وجعل الله تعالى لهم حقا مع الحقوق العشرة في آية الحقوق العشرة في سورة النساء يقول الله تعالى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى جعله في المرتبة الثالثة أي هو الذي يلي الأبوين، وأما المساكين فإنهم يستحقون من الزكاة ويستحقون من الصدقة؛ لأنها صفة تغلب على ذوي الحاجة فلا تطلق المسكين إلا على ذوي الحاجات، ولذلك جعل الله الكفارات لهم في قوله: فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وفي قوله تعالى: إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وفي قوله أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ وفي قوله: أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ فجعلهم أهل الكفارات، وفيهم كلام طويل مذكور في آية الصدقة، في تأليفهم، وفي قدر أهل استحقاقهم.
وأما المهاجرون فسموا بذلك لأنهم هجروا بلادهم وهجروا أقاربهم وهجروا ديارهم وأموالهم وأملاكهم ونحو ذلك، وانتقلوا إلى دار الهجرة، والحق هنا والإيتاء يختص بالفقراء وذوي الحاجة منهم والغالب أنهم من ذوي الحاجة ولذلك جعلهم الله تعالى من أهل الفيء في قوله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يعني يعطون من الفيء الذي ذكر في الآية قبلها مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إلى آخره، ولهم حق وذلك لأنهم تركوا أهليهم وأموالهم وانتقلوا إلى هذه البلاد هربا بدينهم، فالغالب عليهم الفقر، أما من كان غنيا منهم وذا قدرة على الاكتساب؛ فلا يدخل في المستحقين فإن منهم من كانوا أثرياء وأغنياء كعثمان بن عفان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف ونحوهم ممن صاروا يكتسبون ويحترفون ويعملون ويتجرون، فيراد بالمهاجرين الذين ليس لهم حرفة، وليس عندهم قدرة على التكسب ولا على العمل، ومنهم مسطح ؛ فهو داخل في هذه الصفة، والآية عامة له ولغيره.
ثم يقول تعالى: أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ يعني إذا تصدقتم على هؤلاء وأعطيتموهم وأنفقتم عليهم مما أعطاكم الله تعالى فإن ربكم وعدكم بأنه يخلف عليكم ما أنفقتم، ويبارك لكم فيما أبقيتم ويضاعف لكم الأجر أضعافا كثيرة، فتكونون بذلك قد اكتسبتم خيرا، وقد حصل لكم خير ونفع وسعة في الرزق، وأجر عند الله تعالى ومغفرة للذنوب.
ذكرنا أن أبا بكر لما نزلت قال: بلى. والله أحب أن يغفر الله لي لما سمع قوله أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ كل عاقل وكل مؤمن يحب أن يغفر الله له فعليه أن يأتي بالأسباب التي يكون بها من أهل المغفرة.