الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
53589 مشاهدة
تفسير قوله تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ

...............................................................................


ثم يقول تعالى: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ النكاح: التزويج؛ يعني زوجوهم فإن في تزويجهم ما يكون وسيلة إلى إعفافهم، وإبعادهم عن اقتراف المحرمات. فإذا بلغوا سن الزواج ولم يتزوجوا، العادة أنها تشتد فيهم الغلمة والشبق وتقوى فيهم الشهوة، ولا يستطيع أحدهم غالبا كسر هذه الشهوة إلا بزنا أو لواط أو يستعمل الاستمناء باليد ونحوه؛ فيكون في ذلك ضرر عليه، أو في ذلك نقص في دينه؛ فلذلك حث الله تعالى على النكاح: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى .
الأيامى: جمع أيم: المرأة التي يتوفى عنها زوجها أو يطلقها؛ فتسمى أيما، وإذا انقطعت عن النكاح تسمى أرملة أي: قد ترملت وعزمت على عدم النكاح، ففي هذه الحال أمر أولياؤهن أن يزوجوهن، وألا يبقوهن على هذا التأيم الذي فيه ضرر عليهن؛ المرأة معها شهوة كشهوة الرجال؛ فلا بد أن وليها ينظر في مصلحتها، وأنه يزوجها ولا يتركها على هذه الحالة التي تلاقي فيها العنت والصعوبة.
وقد وردت الأدلة في الأمر بذلك في الحديث قوله: إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا؛ تكن فتنة في الأرض وفساد عريض يعني إذا رددتم الأكفاء؛ تأيمت المرأة، أو كذلك إذا بلغت سن النكاح وبقيت لم تزوج ثم بلغت سن العنوسة؛ لا شك أن ذلك يضرها، وأنه يوقعها في فعل الفاحشة، أو مقارفتها أو الميل إلى الرجال؛ فيكون في ذلك إفشاء للفاحشة، والله تعالى يقول: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .
فالحاصل أن الله أمر بتزويج الأيامى؛ حتى لا ينتشر المنكر، وكذلك أمر بتزويج المماليك في قوله تعالى: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ وخص الصالحين؛ وذلك لأنهم الذين يحبون التعفف، والمراد المماليك: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ يعني: مماليككم. وَإِمَائِكُمْ يعني: مملوكاتكم -زوجوهم.
إذا بلغت المملوكة يعني: بلغت سن النكاح، وطلبت من سيدها أن يزوجها؛ لزمه ذلك. قالوا: يلزمه أن يعفها، فله أن يستمتع بها كملك اليمين؛ ليعفها. وله أن يزوجها بحر أو يزوجها بعبد. وإذا لم يفعل لزمه أن يبيعها أو يعتقها؛ حتى تكون حرة تتصرف كما تشاء. فأما أن يبقيها بلا زوج ولا يعفها بنفسه؛ فإنه -بلا شك- يعرضها للفتنة.
وكذلك العبد إذا طلب من سيده أن يزوجه؛ لزمه ذلك حتى لا يعرضه للحرام. فإذا لم يفعل؛ فعليه أن يبيعه أو يعتقه؛ وذلك لأن معه من الشهوة مثل ما مع الأحرار أو أشد؛ فلذلك لا بد أنه يعتقه أو يبيعه أو يعفه بتزويجه زوجة حرة أو زوجة أمة يحصل به انكفافه عن الوقوع في المحرمات؛ أي في الزنا واللواط ونحوه.
يقول الله تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ؛ إذا كان ذلك الزوج الذي خطب إليك فقيرا؛ فلا تمنعه زوجه ولو كان فقيرا؛ فإن الله تعالى وعده أن يغنيه من فضله، وهذا مجرب ظاهر: أن الإنسان إذا تزوج وقصده أن يعف نفسه، وكان فقيرا؛ يسر الله له ورزقه وأغناه من واسع فضله، وفتح عليه باب الرزق، يرزقه برزق زوجته، ويرزقه برزق أطفاله، ويفتح عليه الأسباب التي يكون فيها غناه وسداد حالته، هذا من المشاهد: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ .
كذلك ورد في الحديث الثلاثة الذين حق على الله عونهم: الرجل يتزوج وقصده العفاف يعينه الله تعالى ويسدده ويسد خلته وحاجته.
ثم قال تعالى: إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ واسع فضله، وواسع عطاؤه، ثم قال: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ؛ يعني إذا كان فقيرا لم يجد مهرا ولو شيئا قليلا، ولم يجد ما يقوت به نفسه، ليس عنده ما يقوت به نفسه، فكيف بأهله؟ فعليه أن يتحمل وأن يتصبر، وأن يحرص على التصبر والتحمل، ولو كان هناك شيء من الصعوبة والمشقة إلى أن يرزقه الله.
وعليه أن يبذل الأسباب في التكسب، وفي فعل الوسائل التي يحصل منها على مال، لكن بشرط ألا يذل نفسه ولا يهينها ولا يعرضها للعبودية والذل للمخلوقين، فإذا بذل الأسباب؛ سدد الله تعالى خطاه ورزقه، وفتح عليه باب الرزق، وآتاه من رزقه ما يكون سببا في إغنائه وإعفافه، يقول: وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ هذا في حق المملوك، إذا عجز سيده عن خدمته، مثلا عن استخدامه أو لم يكن به حاجة؛ جاز له أن يكاتبه، إذا طلب ذلك بأن قال: أشتري منك نفسي وأحترف، أؤدي ثمن نفسي حتى أكون حرا.
أمر الله بذلك: إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وقدرة على التكسب وأداء الثمن الذي اشترى به نفسه: وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ أي: ضعوا عنهم من دين الكتابة وتصدقوا عليهم، أمر الله تعالى المؤمنين بأن يساعدوهم حتى يتحرر.