الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
80028 مشاهدة
تصور المريد للولي

...............................................................................


يذكر لنا بعض الإخوة أن عندهم مثل هذا الولي، إذا تزوج أحد بامرأة؛ فإن عليه قبل أن يدخل بها أن يرسل بها إلى ذلك الولي، وتبيت معه ليلة مع الولي، ويطؤها ذلك الولي ليزيل بكارتها!! قبل أن يدخل بها زوجها؛ ليحصل بذلك الزوج على البركة!! يتبرك بأن مسها الولي قبله!! يُشَاهَدُ هذا في كثير من الذين يدعون أنهم على طريقة أهل السر والولاية.
فالإله عندهم -عند أهل زمان المؤلف- هو الولي الذي فيه هذا السر؛ سواء كان حيا أو ميتا، ففي حياته يَتَبَرَّكون به، ويتمسحون به، فيقولون: يا ولي الله! ادع لنا.. يا ولي الله! خذ بأيدينا.. أعطنا، هَبْ لنا..!! وقد لا يكون مسلما حقا؛ فإن كثيرا منهم -من هؤلاء- لا يصلون.. لماذا؟! يقولون: سقطت عنهم التكاليف!!
ذكروا أن أحدهم -أحد هؤلاء السادة- الذين يسمونهم سادة، وأولياء، وأصحاب سر، دخل المسجد يوم الجمعة، والناس يُصَلُّون؛ فبال في المسجد، ثم خرج، ولم يُصَلِّ؛ فتبعوه، وقالوا: هذا ولي!! هذا من الأولياء، هذا قد وصل، وصل إلى الرتبة العالية! لما أنكر بعض العامة عليهم، أو أنكر عليه، قال له خَوَاصُّهُمْ: هذا قد وصل، الشأن فِيَّ وفيك، نحن الذين لا نزال بعيدين!! أما هذا الذي وصل إلى هذه الرتبة؛ فإنه ولي من أولياء الله.
ثم يذكرون أن من خواص الولي إذا مات، ووضع على النعش فإنه من خَوَاصِّهِ -في نظرهم- أن الملائكة تحمله!! يوضع على الأكتاف ويقولون: إننا لا نحس بثقله.. حملته عنا الملائكة! يخيلون إلى أتباعهم أنهم لم يحملوه!! وهذا كله خيال؛ حتى يوهموهم أن هذا من أهل السر، ومن أهل الولاية، ثم بعد دفنه.. لا شك أنهم يعبدونه، ويَدْعُونه، ويصرفون له خالص حق الله، وإن لم يُسَمُّوه إلها، وإنما يسمونه وَلِيًّا، أو صاحب سِرٍّ.
ثم أصحاب هذا السر يَدَّعُون أنهم -هم وأتباعهم- مستغنون عن اتِّبَاع القرآن، وعن اتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن لهم أحوالا.. هذه الأحوال هي التي أوصلتهم إلى الرفيق الأعلى؛ حتى لا يَقْبلوا كلام الله، ولا كلام الصحابة، ولا الأحاديث النبوية؛ وإنما يأخذون أسرارهم -في نظرهم-. وفي الأبيات المشهورة التي ذكرها ابن الْقَيِّم في إغاثة اللهفان ذكر قصيدة، أول ما يذكر منها قوله:
ذهب الرجـال, وجال دون مجـالهم
زُورٌ مـن الأوبــاش والْأَنْــذَالِ
زالوا بـأنهـمُ علـى آثـارهـم
ساروا .. ولـكن سـيرةَ الْبَطَّــالِ!
إلى أن قال:
إن قلتَ: قال اللـه, قـال رسوله
همزوك همـز المنكـر المتغالي
أو قلت: قد قال الصحابـة, والذي
تبعوهـمُ فـي القـول, والأفعـال
أو قلت: قـال الآل آل المصطفى
صلى عليـه اللـه أفـضل آلِ
أو قلت: قـال الشافعـي و مـالـكٌ
و أبو حنيفـة والإمـام العـالي
أو قلت: قـال صحابهم مِـنْ بعـدهم
فالكـل عنـدهـم كشـبـه خيـالِ
ما يقبلون شيئا من العلوم المأثورة، ثم قال:
ويقول: قلبـي قـال لـي عن سره
عن سِرِّ سري, عن صفـا أحوالـي!
عن حضرتي عن فكرتي عن خلوتي
عن شاهدي عن واردي عن حـالي!
عن صفو وقتي, عن حقيقة مشهدي
عن سِرِّ ذاتي, عـن صفـات فعـالي
دَعْوَى إذا حـققـتها ألـفـيتَهـا
ألقـاب زور لُـفِّـقَـتْ بـمحـالِ!
هذه حالتهم: قلبي قال لي عن سره!! حدثني قلبي عن ربي!! فأصحاب السر، وأصحاب الولاية غلا فيهم العامة، وسموهم أولياء، وصرفوا لهم خالص حَقِّ الله؛ ولكنهم ما تجرءوا على تسميته آلهة؛ بل سموهم أولياء وسادة، وسموهم أصحاب سر. هذا هو الإله عندهم. حقيقة الإله: التأله. هو ما تفعلونه مع هؤلاء الذين سميتموهم أصحاب سر، الذي يقول أحدهم: حدثني قلبي عن ربي:
ويقول: قلبـي قـال لـي عن سره
عن سِرِّ سري, عن صفا أحـوالـي!
فمثل هؤلاء كثروا في الأزمنة المتأخرة، ولما كثروا وصار لهم أتباع، صار أتباعهم يصرفون لهم العبادة من دون الله. هذا في هؤلاء الذين سموهم أولياء.