جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
شرح أصول السنة لإمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى 164-241 هـ
35050 مشاهدة
مصير أهل الذنوب في الآخرة

40- ومن لقي الله بذنب يجب له به النار -تائبًا غيرَ مُصِرٍّ عليه- فإن الله يتوب عليه، ويقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات .
41- ومن لقيه وقد أُقيم عليه حد ذلك الذنب في الدنيا فهو كفارته، كما جاء في الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
42- ومن لقيه مُصِرًّا غير تائب من الذنوب التي قد استوجب بها العقوبة؛ فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له .


وأمر الآخرة إلى الله -تعالى- فقد أخبر الله بأنه يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، وذلك إليه سبحانه وتعالى.
فمن لقيه وهو من أهل التوحيد فهو أهلٌ أن يُغفر له، ورد في حديث ابن مسعود مَن لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئًا دخل النار ولكن مع ذلك فإننا لا نجزم لهذا بالجنة، ولهذا بالنار؛ بل هذا ورد وعيده، وهذا ورد وعده، وكلهم تحت مشيئة الله -تعالى- إن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم، ولو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيرًا لهم من أعمالهم؛ وذلك لأن أعمالهم مهما كثرت لا تقابل نعمة الله عليهـم ورحمته بهم، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ منه وفضل .
فنحن محتاجون إلى رحمة الله، وأعمالنا تقصر عن أن تكون سببًا مستقلا بنجاتنا، ولكن الله -تعالى- أمر بالعمل الصالح، وأمر بالإكثار من الحسنات، ونهى عن السيئات، وجعل ذلك من أسباب رحمته ودخول جنته، ونهى عن السيئات والمخالفات التي تكون أيضًا سببًا لغضبه وعقابه.
أما إذا لقي الله -تعالى- وقد أقيم عليه الحد: فإذا كان تائبًا من ذلك الذنب فإن الحد كفارة. وإذا أقيم عليه الحد، ولكنه لم يعترف ولم يتب، فلا ينفعه، إنما يكون الحد زاجرًا له حتى لا يعود مرة أخرى إلى هذا الذنب، أو زاجرًا لغيره.
وقد بيَّن العلماء أن الحدود لا تكون كفارة إلا لمن تاب فمن زنا مثلا وجاء معترفًا وقال: أقيموا عليَّ الحد، كما فعل ماعز والغامدية فإن ذلك كفارة، وأما من أنكر وشهد عليه الشهود بأنه زنا ورجم بذلك، وهو منكر غير تائب فالحد لا يُطَهِّره، وإنما يمنع غيره من أن يفعلوا كفعله، وهكذا بقية الحدود التي تقام في الدنيا، لا تكون مُكَفِّرَةً إلا لمن تاب من ذلك الذنب، وحسنت توبته.