القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
شرح أصول السنة لإمام أهل السنة أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رحمه الله تعالى 164-241 هـ
36818 مشاهدة
ترك البدع

2- وترك البدع، وكل بدعة فهي ضلالة.


البدعة هي المحدثة في الدين أي ما أضيف إلى الشريعة الإسلامية وألصق بها وهو ليس منها، سواء كان ذلك في العقائد أو في الأعمال البدنية أو في الأقوال، ولقد أكمل الله -تعالى- هذا الدين، وأنزل على نبيه -صلى الله عليه وسلم- آخر حياته قوله -تعالى- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ولقد بلَّغ النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أنزل إليه من ربه، وعلم أصحابه كل شيء يحتاجون إليه حتى آداب التخلي، ونحو ذلك مما قد يستحيى منه، وتوفي وما طائر يقلب جناحيه إلا ذكر لهم منه علمًا وكل ذلك يغني أهل السُّنّة عن الابتداع في الدين.
ولقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن أمته سوف تفترق على ثلاث وسبعين فرقة، يعني الأهواء والنحل، وأن كلها في النار إلا واحدة وما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- يصدقه الواقع، فقد ظهرت بدع عقائدية، عرفها السلف بأسماء مناسبة كبدعة الخوارج، والقدرية، والجهمية، والمعتزلة، والرافضة، والمشبهة، والمعطلة، والمتصوفة، والجبرية، والمرجئة، والعلمانية، والبعثية، والقبورية، والأشعرية، ونحوهم ممن تفرّع عنهم كالتيجانية، والنقشبندية، والشيعة، والجاحظية، والبهشمية وغيرهم، وإن كان هؤلاء يختلفون في الحكم عليهم، فمنهم من يكفر ببدعته، ومنهم من يفسق بها، وقد ناقشهم العلماء وأهل السُّنّة، وحذروا منهم، ونهوا عن الإصغاء إليهم، وسماع كلامهم، وعن مجالستهم ومجادلتهم، ونصحوا بالبعد عنهم، كما نقل ذلك الحافظ ابن بطة -رحمه الله تعالى- في الإبانة الكبرى عن جماعة من السلف والأئمة.
وهكذا يقال في البدع العملية التي دعا إليها الخرافيون والمقلِّدون كبدع الموالد، والرغائب، والعبادات التي لم ترد في الشرع، مما يتعلق بالصلوات، أو الجنائز أو القبور ونحوها، وكذا في بدع الأقوال التي لا دليل عليها، وقد رد على جميع ذلك الأئمة المقتدى بهم، وبينوا بطلانها، واستدلوا على ذلك بالأحاديث الصحيحة، كقوله -صلى الله عليه وسلم- وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكقوله -صلى الله عليه وسلم- من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ونحو ذلك من الأدلة.