الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
50727 مشاهدة
أثر الأحاديث الضعيفة والموضوعة في طائفة المتصوفة

...............................................................................


وكذلك أيضا كثير منهم ممن كان شغلهم بالعبادة وقع فيهم -من الجهل- تصحيح كثير من الأحاديث الضعيفة. وراجت عليهم أحاديث موضوعة، وصاروا يروونها ويستشهدون بها، فهذه مما ينكر عليهم، وهم معذرون حيث إن الحديث ليس من صناعتهم، ويستدلون بأحاديث لا أصل لها أو فيها ضعف شديد، ويجعلونها معتمدا لهم في كثير من الأفعال، ويبنون عليها بعض الأمور العقدية أو بعض الفروض العملية.
وكأن شيخ الإسلام يحذرهم ويقول: تمسكوا بالسنة وارجعوا إليها؛ فإنها متوفرة، ومراجعها محفوظة ومدونة، واحذروا من البدع، واحذروا من الأحاديث الضعيفة. واحذروا من تقليد المشائخ في الأشياء التي تخالف الشريعة، أو تخالف عقيدة أهل السنة والجماعة؛ فإنكم متى تمسكتم بالسنة وقنعتم بها حفظكم الله وسددكم. هكذا أخبر الله تعالى عمن حفظه وعمن وفقه.
فعلى كل حال إن شيخ الإسلام ذكرهم بهؤلاء المشايخ، كعدي بن مسافر الأموي وشيخه الهكاري القرشي وغيرهم ممن كان على الطريقة السليمة السلفية. ولو ذكر عنهم بعض الشطحات؛ فإن تلك النقول والشطحات أيضا لا يكلفون فيها؛ وما ذاك إلا لأنهم ليسوا بمعصومين؛ العصمة للرسل.
كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا وجدنا لأحدهم زلة أو شطحة فلا نتبعه فيها؛ بل نخالفه ونلتمس له العذر. ولا شك أن الطريق واحد؛ ليس هناك طرق متشعبة كثيرة، وأهل النجاة الذين توسطوا بالطريق السوي وبالسنة؛ هم الفرقة الناجية على الصراط المستقيم؛ الذين ساروا عليه، ولم يسيروا على بنيات الطريق.
اشتهر أن النبي صلى الله عليه وسلم خط خطا، وخط خطوطا عن يمينه وشماله وقال: هذا الخط المستقيم صراط الله، وهذه سبل على كل سبيل منها شيطان، وقرأ قول الله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ .
وقد استدل المؤلف أيضا بسورة العصر وبغيرها من الأدلة للدلالة على أن الله تعالى جعل الحق واحدا، وأن الضلال أكثر. الضالون والمنحرفون عادة أكثر. يقول تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ؛ أي: جميع جنس الإنسان في خسر إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ هؤلاء هم الناجون الرابحون، والبقية خاسرون.
وكذلك الأدلة التي تدل على أن أهل النجاة هم أهل الإيمان؛ الأدلة كثيرة: بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ و الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يخص الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ نتَوَاصَى بما أمرنا الله به بِالْحَقِّ ونَتَوَاصَى بِالصَّبْرِ، ونحقق الإيمان، ونحقق العمل الصالح؛ لنكون بذلك من أهل النجاة ومن أهل الفلاح، ونسلم بذلك من الخسران المبين.
نكتفي بهذا ونعتذر عن الدروس الباقية في بقية الشهر .. ونستأنف إن شاء الله بعد رمضان ....
المكاشفة في التصرفات. يسأل عن قوله: المكاشفات؛ يعني أنه يوجد في بعض المتصوفة شيء يسمونه المكاشفات، أنه يكشف له عن بعض الحقائق. وذلك دليل على تصوفه، وكذلك التصرفات. إذا كانت تصرفاتهم موافقة للحق فإنه لا .. فيها -إن شاء الله-.