تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك
شرح الوصية الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية
50266 مشاهدة
خلاف الصحابة في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه

وأما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي ذر قال: قلت: يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: نور أنَّى أراه وفي رواية: رأيت نورا يعني: كيف أراه ودونه هذه الأنوار؟ دونه نور.
قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن حجابه النور، ثبت عنه أنه قال: إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، حجابه النور, لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه .
فهذا النور لا شك أنه لا يرى معه ذات الرب تعالى، فأما ما ذهب إليه ابن عباس من أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة أسري به بعيني رأسه؛ فهذا قيل: إنه اجتهاد منه, وقيل: إنه اعتمد فيه على دليل، ولعله الأقرب أنه اجتهاد منه، ما دام أن في الحديث: نور أنَّى أراه ولم يذكر دليل واضح أنه رأى ربه، إلا ما روي عن ابن عباس أنه قال: كان لموسى التكليم، ولنبينا الرؤيا.
لقد أنكرت عائشة هذا الكلام، سألها بعض التابعين فقالوا: يا أماه هل رأى محمد ربه بعيني رأسه؟ فقالت: لقد قَفَّ شعري من هذا الكلام. ثم أنكرت, وقالت: لم ير ربه. فكأن ذلك الذي سألها كان عنده بعض من الأدلة؛ فقرأ عليها قول الله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ وظن أن الضمير في وَلَقَدْ رَآهُ يعود إلى الله تعالى؛ فذكرت أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بأنه يعود إلى جبريل أنه رآه على الصورة التي خلق عليها مرتين، المرة التي في سورة النجم: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى والمرة الثانية في سورة التكوير: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ؛ وذلك لأنه يعود إليه: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ هذه كلها وصف لجبريل عليه السلام فيكون قوله: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ يعود إليه.
فعلى هذا.. يفسر القول بأنه رآه أنه رأى ربه بعيني قلبه، أنه رآه رؤية قلبية؛ لا أنه رآه برؤيته البصرية، كيف وقد أخبر الله عن موسى بأنه لا يراه مع أنه كلمه؟! فقال: لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ .