قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح سنن الترمذي
34978 مشاهدة
باب ما جاء في إعلان النكاح

باب ما جاء في إعلان النكاح.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بَلْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ الْجُمَحِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَرَامِ وَالْحَلَالِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ .
قَالَ: وَفِي الْبَاب عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَبُو بَلْجٍ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَيُقَالُ ابْنُ سُلَيْمٍ أَيْضًا وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ غُلَامٌ صَغِيرٌ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ، وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ، وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ .
قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الْأَنْصَارِيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ، وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الَّذِي يَرْوِي عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ التَّفْسِيرَ هُوَ ثِقَةٌ.
حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ عَلَيَّ غَدَاةَ بُنِيَ بِي فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي وَجُوَيْرِيَاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِدُفُوفِهِنَّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ إِلَى أَنْ قَالَتْ إِحْدَاهُنّ:َ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسْكُتِي عَنْ هَذِهِ وَقُولِي الَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ قَبْلَهَا قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.


في هذا فيه إباحة الدف الضرب بالدف وكذلك استعمال الصوت الذي هو غناء من المباح، وجعله فرقا ما بين الحلال والحرام، وأمرا بإعلان النكاح أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف فرق ما بين الحلال والحرام الدف والصوت.
الدف هو الآلة التي تضرب ويكون لها صوت وهي مثل الطست أحد وجهيها مفتوح والآخر مغلق فيضرب الوجه المغلق، وإغلاقه الأصل مثل اللوح المقوس، ويغلق أحد طرفيه بجلد يابس غير مدبوغ؛ بل مجفف حتى سقط شعره فإذا ضرب صار له صوت، فإن كان مختوما من الجانبين سمي طبل، والطبل لا يجوز؛ وذلك لأن فيه صوتا أقوى من صوت الدف.
فالإباحة وردت في استعمال الدف في النكاح وضربه ضربا يحصل به الإعلان، ويحصل به أيضا إظهار الفرح بهذا النكاح.
لا شك أنه يوم فرح، أن هذا النكاح فيه فرح وابتهاج بحصول هذا الزفاف بين هذين الزوجين، وتبريك لكل منهما ودعاء لهما، فناسب أن يكون هناك شيء من الفرح؛ فضرب الدف يفيد إظهار الفرح.
وكذلك استعمال الصوت الذي هو غناء ولكن غناء مباح، أي: شعر مباح معه شيء من التغني والطرب؛ لكن ليس تشبيبا، ولا غناء بذكر الفواحش أو غناء بما يدفع على فعل المنكرات أو نحوها.
فإذا كان كذلك كان مما أثر ومما عمل به، وقد ورد أيضا أمثلة لذلك فمن الأمثلة: هؤلاء الجواري اللاتي يغنين غداة بني بهذه المرأة، يغنين بالشعر الذي قيل في يوم بُعَاث أى: ما قاله الأنصار قبل أن يسلموا فيما بينهم من رثاء أموات لهم ماتوا في تلك الفتن، وذكر شيء من مآخذهم،و أفعالهم؛ فلا يستعملون ولا يجوز.
ولهذا لما قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد؛ أنكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يعلم ما في الغد، لا يعلم ما في غد إلا الله يقول الله تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا لا الأنبياء ولا غيرهم، لا يعلمه إلا الله.
فإذا كان الغناء بتحية وترحيب ومديح غير مغال فيه فإنه من جملة ما أباحه الله، ومما ينشط على مثل هذا الفرح، ومما تقوى به النفس ومما يحصل به شيء من قوة النفس والإقبال على مثل هذه الحفل والتبريك للمتزوجين والدعاء لهما وما أشبه ذلك.
أما الغناء المحرم؛ فلا يجوز بأي نوع من أنواعه؛ وذلك لأنه محرم أصلا؛ ولأنه يثير الغرائز ويدفع إلى الحرام وما أشبه ذلك.
ثم الضرب بالدف قال بعضهم: إنه يختص بالنساء، كما هو العادة الآن من أن الذي يضربه هو النساء فيما بينهن، يضربن ويغنين بشيء من الغناء فيما بينهن.
وقيل: إنه للرجال ما دام إن القصد منه إعلان النكاح فيضرب ولكن بدون مبالغة لا يبالغون فيه بل بقدر ما يحصل به الإعلان وإظهار أن هذا حفل زواج أو نحو ذلك.
ويقول بعض المشايخ: إن الإعلان قد يحصل في هذه الأزمنة بدون ذلك: فيحصل مثلا بهذه الإنارة التي تكون في بيت الزوج أو ولي الزوجة، أو تكون في البيوت المخصصة للحفلات، وإن كان هذا لا يكفي؛ لأنه لا يعرف به، أي الزوجين لا يعرف من هو الزوج ما لم يكن على بلد له خاصة به.
وكان بعضهم في القرى يستعمل ما يفيد المعرفة والإعلان، سمعت بعض مشايخنا في إحدى القرى يذكر: أنهم إذا كانت ليلة الزفاف في تلك القرية -يمكن قبل خمسين سنة أو أكثر- يستعملون الطيب في المساجد؛ حيث يذهبون إلى كل مسجد في..، ويمشون على كل المصلين بعد صلاة المغرب أو صلاة العشاء يطيبونهم؛ فذلك لما يلفت أنظارهم أن هناك زواجا، يجتمعون عليه؛ لأنها قرية أهلها محصورون، فهذا أيضا من الإعلان وإن لم يكن معتادا.
في هذا الحديث قوله: واجعلوه في المساجد كان بعض العلماء يستحبون أن يكون عقد النكاح في المساجد لهذا الحديث؛ يعني: إذا أرادوا العقد الذي هو الإيجاب والقبول وشاهدان كانوا في المسجد؛ رجاء أن تحصل لهم البركة إذا دعوا بالبركة بين الزوجين فإن من السنة أن يدعو الذي يعقد بقوله: بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير رجاء أن تستجاب هذه الدعوة إذا كانت في مكان فاضل كالمسجد.
كان في الجاهلية عند العقد يدعون للمتزوج بقولهم: بالرفاء والبنين. هذا تبريكهم؛ فنهى الله ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمر بالدعاء بقوله: بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير وبذلك ترجى إجابة هذه الدعوة.
أسئـلة
س: طيب يا شيخ، بالنسبة لضرب الدفوف للرجال يلاحظ أنه في بعض الزواجات يقوم نفس الرجال بضرب الدفوف، فهل يجوز لهم ذلك؟، وهل يجوز حضور الزواج الذي يتم فيه مثل هذا؟
الظاهر أنه يجوز إذا كان القصد إعلان النكاح. إنما مجرد ضرب الدف لأجل الإعلان؛ لأن الحديث على إطلاقه أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف ولم يخص النساء ولا الرجال، أطلق، فظاهره أنه لا بأس؛ لكن حيث كونه معتادا الآن أن الضرب يكون مع النساء؛ فلا يجوز مخالفة هذا المعتاد بل يترك للنساء، هن اللاتي يستعملن ضرب ذلك فيما بينهن، وكذلك الصوت الذي قال في هذا الحديث: الدف والصوت يكون أيضا بين النساء في محيطهن.