اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
شرح سنن الترمذي
36121 مشاهدة
باب ما جاء في تحريم نكاح المتعة

باب ما جاء في تحريم نكاح المتعة.
حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن الزهري عن عبد الله والحسن ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي بن أبي طالب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن متعة النساء، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر .
قال: وفي الباب عن سبرة الجهني وأبي هريرة .
قال أبو عيسى حديث علي حديث حسن صحيح
والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- وغيرهم.
وإنما رُوي عن ابن عباس شيء من الرخصة في المتعة، ثم رجع عن قوله حيث أُخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وأمرُ أكثر أهل العلم على تحريم المتعة، وهو قول: الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق .
حدثنا محمود بن غيلان حدثنا سفيان بن عقبة أخو قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان الثوري وعن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن ابن عباس قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام.
كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه حتى إذا نزلت الآية: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ قال ابن عباس فكل فرج سوى هذين فهو حرام.


نكاح المتعة هو النكاح المؤقت، أن ينكح امرأة نكاحًا مؤقتًا بمعنى أن يحدد مدة فيتزوجها لمدة أسبوع، أو لمدة شهر، أو لمدة شهرين أو سنة أو نحو ذلك، ويقلل من المهر الذي يدفعه إليها ويتمتع بها هذه المدة فإذا انقضت هذه المدة فارقها. وإن أراد أن يجدد معها النكاح اتفقا على ذلك.
وقد اختلف في حله، والمشهور أنه ما أبيح ولا أذن فيه إلا في غزوة الفتح. ولعل السبب فيه أنه في تلك الغزوة دخل مكة غزوٌ كثير من الأعراب ومن البوادي، ومن أهل القرى الذين أسلموا حديثًا أي حديثٌ عهدهم بإسلام، ولما دخلوا مكة خيف عليهم من الفتنة.
لما فتحت مكة فخيف عليهم فرُخص لهم في نكاح المتعة، والظاهر أنه لم يستمر إلا مدة قصيرة في تلك الغزوة، ثم نهي عنه نهيًا باتًا نهيًا مؤبدا. هذا هو الذي يظهر أنه ما أبيح إلا أيامًا قليلة في غزوة الفتح مجاراة للذين كان حديث عهدهم بإسلام، ويخاف عليهم من الوقوع في الزنا فلأجل ذلك أبيح لهم أن يتمتعوا تلك الأيام، ثم ورد النهي عنها هذا هو المشهور.
وتكاثرت الأحاديث في أن النهي عنها كان في غزوة الفتح التي هي في سنة ثمان، ولكن أشكل عليهم هذا الحديث الذي سمعنا، والذي فيه أن النهي عنها كان في سنة سبع التي هي غزوة خيبر فإن فيه قول علي إن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ولم ينقل الذين حضروا الغزوة- غزوة خيبر - هذا النهي، لم ينقلوا الإذن في نكاح المتعة ولا النهي عنه. لم ينقل فيه إلا هذا الحديث عن علي - رضي الله عنه-.
وقد أجاب عنه ابن القيم في زاد المعاد، وتبع في ذلك شيخه، وقال: إن المراد الرد على ابن عباس كان ابن عباس يبيح نكاح المتعة، ويبيح لحوم الحمر الأهلية فعلي رد عليه وذكر زمن تحريم الحمر الأهلية، ولم يذكر زمن تحريم المتعة. فالظرف الذي في آخره إنما هو ظرف للأخير منهما فكأنه يقول: حرم نكاح المتعة، ثم سكت وقال: ولحوم الحمر الأهلية يوم خيبر .
أي فيكون قوله: يوم خيبر ظرف للفظة الأخيرة وهي تحريم لحوم الحمر الأهلية؛ لأن ابن عباس كان يرخص فيهما في نكاح المتعة وفي لحوم الحمر الأهلية.
فأراد أن يرد عليه فرد عليه ردًا مجملا أي نهى عن نكاح المتعة ولم يذكر زمانه، وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر .
فيوم خيبر أو زمن خيبر وقت للنهي عن لحوم الحمر الأهلية.
وقد كثرت الأحاديث عن جماعة من الصحابة في أن النبي- صلى الله عليه وسلم- حرم لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ولم يذكروا أنه حرم نكاح المتعة في تلك السنة، ولا ذكروا أنه أباحها، ولم يذكروا أنه أباح نكاح المتعة في شيء من غزواته كلها ما عدا غزوة الفتح، فإنه أباح لهم نكاح المتعة أيامًا قليلة، ثم بعد ذلك نهى عنه وأكد النهي وقال: إن الله قد حرم نكاح المتعة إلى يوم القيامة فمن كان عنده منهن شيء فليخل سبيلها ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا هذا هو الصحيح.
الأحاديث تكاثرت في أن النهي كان في زمان الفتح، يعني عن نكاح المتعة. والرواية التي فيها أيضًا أنه نهى عنه في حجة الوداع كأنها رواية شاذة. وعلى تقدير صحتها تحمل على أنه أكد النهي يعني أكد التحريم وكرره، ولم يذكر أنه أباح ذلك. فالصحيح أنه ما أبيحت المتعة إلا زمن الفتح، ثم حرمت تلك السنة، هذا هو الذي يترجح من حيث الدليل.
وأما زمن خيبر فلم يذكروا أنه وقت للإباحة، ومع ذلك فإن بعضًا من العلماء أخذوا بظاهر هذا فقالوا: إن نكاح المتعة حرم مرارًا وأبيح مرارا، ومنهم النووي في شرح مسلم يقول: أبيح نكاح المتعة ثم حرم يوم خيبر ثم أبيح ثم حرم يوم الفتح. ويقول: وليس شيء أبيح ثم حرم ثم أبيح ثم حرم غير نكاح المتعة.
وزعم بعضهم أنه أبيح ثلاث مرات وحرم ثلاث مرات، وكلما رأوا رواية محمولة على أنها غلط أو شذوذ حملوه على أنه أبيح ثم حرم ثم أبيح ثم حرم وهذا ضعيف كما نبه على ذلك ابن القيم في الزاد وغيره. فيعرف بذلك أن النهي إنما كان مرة واحدة والإباحة مرة واحدة.
عرفنا أنه محرم، وفي بعض الروايات في حديث سمرة الجهني الذي أشار إليه الترمذي أنه نهى عن ذلك، وقال: إن الله حرم نكاح المتعة إلى يوم القيامة فعرف بذلك أنه محرم تحريمًا مؤبدا، وكذلك في بقية الأحاديث.
كثرت الأحاديث في النهي عنه ومع كثرتها فإن الرافضة يخالفون في ذلك، ويبيحون نكاح المتعة ويردون على أهل السنة، ويدعون أن الذي حرم نكاح المتعة هو عمر ويطعنون بذلك في عمر - رضي الله عنه- وشبهتهم روايات في بعض الأحاديث أن عمر نهى عن المتعة، وأن عمر حرم المتعة ونهى عن المتعة، ولكنهم غلطوا في ذلك غلطوا في الفهم، فإن المتعة التي نهى عنها عمر إنما هي متعة الحج يعني التمتع بالعمرة إلى الحج هذا هو الصحيح.
ففهم بعض الرواة أنها متعة النكاح ففسرها بها، وأخذ الرافضة ذلك طعنًا في عمر وقالوا: إنه حرم ما حلله الله، حرم ما أباحه الله وجعلوا ذلك مطعنا فيه، ولم يزالوا على ذلك إلى اليوم. في خلافة المأمون العباسي استولى كثير منهم على الخليفة، وكادوا أن يأخذوا بقلبه وأن يصرفوه عن الحق حتى هم أن يجعل الخلافة في أولاد علي ثم هم بأن يبيح نكاح المتعة لما أنهم كثروا عنده وأخذوا بقلبه فعند ذلك أمر بأن ينادي مناد بإباحة نكاح المتعة، وقالوا له: إنما حرمها عمر .
ولما سمع بذلك جلساؤه من أهل السنة، وكان من جملة من يأخذ عنه يحيى بن أكثم القاضي المشهور، فجاءوا إليه في وقت فراغه فقالوا له: إنك بذلك قد أبحت الزنا، فقال: وكيف ذلك؟
فشرحوا له أن المرأة المتمتع بها ليست زوجة وليست أمة مملوكة، وأن الله تعالى إنما أباح للمسلم ما أباحه بقوله: إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ وقال: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ .
ومعلوم أن المتمتع بها لا يصدق عليها أنها زوجة مستمرة ثابتة، وأنها تسرع مفارقتها، وأنها لا ترث ولا تورث، ولا تحرم على أقاربه أو نحو ذلك، فليست زوجة تحرم، يعني أنها لا يصدق عليها ذلك، وشرحوا له أن هذا إباحة للزنا. ثم بعد ذلك كأنهم أقنعوه فرجع ، وبينوا له أن النهي عن نكاح المتعة ليس هو من عمر ولكنه من النبي -صلى الله عليه وسلم- ورووا له الأحاديث.
والحاصل أن نكاح المتعة محرم، وأنه ليس بنكاح شرعي، ولا يقال بإباحته، وأما روي عن ابن عباس أنه كان يبيح لحوم الحمر الأهلية، ويقول: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- ما حرمها إلا لأنها حمولة الناس فرجع أيضًا عن ذلك واستدلوا له بقوله: إنها رجس.
وكذلك روي عنه إباحة نكاح المتعة، ولما نُقلت له الأحاديث وشرح له معناها رجع أيضًا عن ذلك كما نقله الترمذي كما سمعنا.
فاتفق أهل السنة على النهي عن ذلك، ولا عبرة بخلاف أهل البدعة.