إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
شرح سنن الترمذي
34875 مشاهدة
باب ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه

باب ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه.
حدثنا أحمد بن منيع وقتيبة قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قتيبة يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقال أحمد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يبيع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه قال: وفي الباب عن سمرة وابن عمر .
قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح. قال مالك بن أنس إنما معنى كراهية أن يخطب الرجل على خطبة أخيه إذا خطب الرجل المرأة فرضيت به فليس لأحد أن يخطب على خطبته. وقال الشافعي معنى هذا الحديث: لا يخطب الرجل على خطبة أخيه هذا عندنا إذا خطب الرجل المرأة فرضيت به وركنت إليه فليس لأحد أن يخطب على خطبته، فأما قبل أن يعلم رضاها أو ركونها إليه فلا بأس أن يخطبها؛ والحجة في ذلك حديث فاطمة بنت قيس حيث جاءت النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت له أن أبا جهم بن حذيفة ومعاوية بن أبي سفيان خطباها فقال: أما أبو جهم فرجل لا يرفع عصاه عن النساء، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، ولكن انكحي أسامة فمعنى هذا الحديث عندنا والله أعلم أن فاطمة لم تخبره برضاها بواحد منهما، ولو أخبرته لم يشر عليها بغير الذي ذكرت.
حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود قال: أنبأنا شعبة قال: أخبرني أبو بكر بن أبي الجهم قال: دخلت أنا وأبو سلمة بن عبد الرحمن على فاطمة بنت قيس فحدثتنا أن زوجها طلقها ثلاثا ولم يجعل لها سكنى ولا نفقة، قالت: ووضع لي عشرة أقفزة عند ابن عم له خمسة شعيرا وخمسة برا. قالت: فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له قالت: فقال: صدق. قالت: فأمرني أن أعتد في بيت أم شريك ثم قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن بيت أم شريك بيت يغشاه المهاجرون، ولكن اعتدي في بيت ابن أم مكتوم فعسى أن تلقي ثيابك ولا يراك، فإذا انقضت عدتك فجاء أحد يخطبك فآذنيني، فلما انقضت عدتي خطبني أبو جهم ومعاوية قالت: فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك له فقال: أما معاوية فرجل لا مال له، وأما أبو جهم فرجل شديد على النساء. قالت: فخطبني أسامة بن زيد فتزوجني فبارك الله لي في أسامة .
هذا حديث صحيح، وقد رواه سفيان الثوري عن أبي بكر بن أبي الجهم نحو هذا الحديث وزاد فيه: فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: انكحي أسامة حدثنا محمود حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي بكر بن أبي الجهم بهذا.


ورد في ذلك عدة أحاديث جمع فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- بين البيع والخطبة: لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا يخطب على خطبة أخيه وكأنه عَرف من العادة أنه إذا خطب على خطبة أخيه فزُوج وتُرك الأول حصل بينهما حقد وشنآن وبغض بسبب تقدمه عليه؛ وذلك لأن الأول إذا تقدم يخطب امرأة فركنت إليه وركن إليه أهلها وأظهروا القبول ولم يكن فيه ما يعاب به أصبح كأنها زوجة له وإن لم يحصل عقد، فإذا تقدمتَ إليها أنت وقد علمت بأنهم قد ركنوا إليه، وزدت لهم مثلا في المال، أو كنت أشرف منه نسبا، أو أكثر منه ثروة أو نحو ذلك، وفضلوك عليه لأجل هذه الخصال، وردوه وقد كانوا قد ركنوا إليه وقد وعدوه، وعلم بذلك فإنه سيقع بينهما إحن وعداوة وبغضاء مما يسبب القطيعة والتهاجر والتدابر، ومما يسبب البغضاء بين المسلمين والحقد بينهم.
وينتج من ذلك أن كلا منهما يتبع عورة أخيه، ويسبه وينشر له سمعة سيئة، ويتتبع عثراته ويعيبه بما لا عيب فيه، ولا شك أن ذلك مما ينهى عنه الشرع ولا يرضاه.
الشرع يأمر بالأخوة بين المسلمين والألفة بينهم، واجتماع الكلمة وعدم المنافرة وعدم التهاجر والتقاطع، وهذه الأشياء مما تسبب التهاجر الذي نهى عنه الشرع؛ فلأجل ذلك نهى عن كل شيء يحصل منه هجران المسلم لأخيه أو مقاطعته له.
استُثني من ذلك إذا كان مجرد خطبة ولم يكن فيه وعد، يعني خطب منهم وردوه ردا صريحا وقالوا: لا نريدك. أو المرأة لا ترغبك، أو قالوا له: لا ندري، اذهب وسوف نبحث ونستشير. ردوه لأجل المشاورة والبحث عن حالته هل يصلح أم لا يصلح؟
عن ديانته وعن أخلاقه وعن معاملته للناس ونحو ذلك، ردوه لهذا، ثم تقدم إليهم غيره، ذلك الثاني المتقدم يعرفونه فاختاروه وقدموه على الأول، فردهم للأول وقولهم: انتظر، أو لا ندري أو نحو ذلك ما يعتبر قبولا، فيجوز للثاني أن يتقدم.
والحاصل أنه يجوز للثاني أن يتقدم إذا لم يعلم بالخطبة أصلا، أو أَذن له الأول، وقال: أنا قد خطبتها ولكنهم لم يعطوني ولك رخصة في أن تخطبها، فقد يوافقون وقد لا يوافقون، أو ما أَذِن له، ولكن علم أن أهل الزوجة توقفوا في الأول، إما ردًا له غير مباشر، وإما عدم قبول في الظاهر، وإما توقفا لأجل البحث لجهلهم به، جهلهم بعينه، أو جهلهم بحالته، أو بأخلاقه، أو سماته أو صفاته مما يحتاج إلى بحث طويل، فلما جاءهم الثاني وكانوا يعرفونه قطعوا النظر عن الأول، فمثل هذا لا مانع منه.
وكذلك إذا تقدموا ولم تعدهم المرأة، ولم تقل: نعم أريدك، بل قالت: اذهبوا وسوف أستشير. وعلى هذا يحمل حديث فاطمة بنت قيس هذا الحديث الذي سمعنا، وفيه أن زوجها طلقها وبت طلاقها، ولما طلقها أمر لها بنفقة لم تقبلها، نفقة شعير فلم تقبلها، ظنت أن لها نفقة كاملة كغيرها من المطلقات مع أن طلاقها طلاق البتة بحيث لا رجعة لزوجها عليها، فلما أخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- قطع رجاءها من هذه النفقة وقال: ليس لك نفقة ولا سكنى، ما دام أنه لا رجعة له عليكِ فليس لكِ نفقة، اعتدي حيث شئت.
أمرها أن تعتد في بيت أم شريك ثم ذكر أو تذكر أن أم شريك يكثر عندها المهاجرون يجلسون عندها، والمعتدة عليها أن تختفي وألا تبرز للرجال، بعد ذلك أمرها أن تعتد في بيت ابن عمها وهو ابن أم مكتوم وقال: إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ولا يراك أحد ثم قال لها: إذا فرغت- يعني من العدة- فآذنيني، وليس هذا خطبة في العدة وإنما هو طلب؛ لأن خطبة المعتدة لا تجوز، وقيل إنها تجوز إذا لم يكن لزوجها عليها رجعة.
فالحاصل أنه قال لها: آذنيني ولما انتهت عدتها جاءت إليه وآذنته، وأخبرت بأن اثنين قد خطباها: معاوية وأبو جهم فاعتذر عنهما بأن أبا جهم ضراب للنساء، وبأن معاوية فقير ليس له مال، وخطبها مع ذلك لأسامة بن زيد وزوجها له وارتبطت به، ولم ينكر ولم يقل: لماذا خطبتَ يا معاوية وقد سبقك أبو جهم ؟ أو: لماذا خطبت يا أبا جهم وقد سبقك غيرك؟
أو لم ينكر عليها وقال: كيف أجزتِ للثاني أن يخطب وأنتِ قد خطبك قبله غيره؟ وذلك لأنها ما وعدته، ما وعدت واحداً منهما، ولا قالت له: رضيت بك، إنما قالت: لا بأس، قالت مثلاً: سوف أستشير، أو نحو ذلك.
فالحاصل أنها تزوجها أسامة وارتبطت بنكاحه.