لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.
شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري
42500 مشاهدة
باب أداء الخمس من الإيمان

قال -رحمه الله- باب أداء الخمس من الإيمان.
حدثنا علي بن الجعد قال: أخبرنا شعبة عن أبي جمرة قال: كنت أقعد مع ابن عباس يجلسني على سريره فقال: أقم عندي حتى أجعل لك سهما من مالي، فأقمت معه شهرين، ثم قال: إن وفد عبد القيس لما أتوا النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من القوم أو من الوفد؟ قالوا: ربيعة. قال: مرحبا بالقوم أو بالوفد غير خزايا ولا ندامى، فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام، وبيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة، وسألوه عن الأشربة: فأمرهم بأربع، ونهاهم عن أربع، أمرهم: بالإيمان بالله وحده، قال: أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس. ونهاهم عن أربع: عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت. وربما قال: المقير. وقال: احفظوهن وأخبروا بهن من وراءكم .


هذا حديث وفد عبد القيس قبيلة من ربيعة، وذلك لأن أكثر العرب الذين في الجزيرة من قبيلتين من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان وقبيلة من مضر مضر بن نزار بن معد بن عدنان قريش ونحوهم من مضر، ومسيلمة وقبيلته من ربيعة، عبد القيس من ربيعة، وكانت منازل عبد القيس في أقصى البحرين في جهة البحرين وكان بينهم وبين مضر عداوات، كل من ظفر بأحد من تلك القبيلة قتله؛ أي: مضر إذا وجدوا أحدا من ربيعة قتلوه وربيعة كذلك، ولا يأمنون إلا في الأشهر الحرم التي هي شهور ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، في هذه الأشهر يأمنون؛ بحيث إن أحدهم يلقى قاتل أبيه فلا يقتله.
فذكر هؤلاء الوفد لما جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يبايعونه ويسلمون ويتعلمون قال: مرحبا بالوفد في هذا الحديث عن أبي جمرة أبو جمرة الضبعي تلميذ ابن عباس يقول: كنت أقعد مع ابن عباس يجلسني على سريره. كان يبلغ عنه لم يكن هناك مكبر، فكان أبو جمرة إذا تكلم ابن عباس بكلمة رفعها حتى يسمعها البعيدون؛ فقال له: أقم عندي حتى أجعل لك سهما من مالي. يعني: لما رأى له من الفائدة والمنفعة.
بعد ذلك يقول: أقمت عنده شهرين، وهو يسمع منه ويتعلم منه، حدثه ابن عباس بوفد عبد القيس لما جاءوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حياهم وقال: من القوم أو من الوفد؟ فقالوا: ربيعة يعني: أننا من ربيعة، فقال: مرحبا بالقوم، أو مرحبا بالوفد المعنى واحد، الترحيب هو التحية والتوقير.
غير خزايا ولا ندامى أي: أنكم جئتم للتعلم فأبشروا فإنكم لا تكونون ممن أخزاهم الله، ولا تندمون على ما فعلتم.
فقالوا: يا رسول الله، إنا لا نستطيع أن نأتيك إلا في الشهر الحرام أي: لا نستطيع أن نقطع هذه المسافات إلا في الأشهر الحرم، بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، كانت منازل مضر في حدود العراق في شمال المملكة ويمتدون أيضا إلى الحجاز وما حولها، وكان أكثرهم لا يزالون كفارا.
يقولون: فمرنا بأمر فصل يعني: أخبرنا بخبر واضح نعمل به، نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة وسألوه عن أواني الأشربة بعدما حرمت الخمر، فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، ما ذكر ابن عباس جميع التعاليم التي عُلِّموا بها؛ ذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرهم بالحلال والحرام، وأخبرهم بصفة العبادات، وأخبرهم بمقادير الزكاة، وأخبرهم بالجهاد، وأخبرهم بتحريم الخمر وتحريم الزنا وتحريم السرقة وتحريم قتل المسلم وغير ذلك.
فمما أمرهم به الإيمان بالله وحده، ثم فسره وذكر أنه أركان الإسلام؛ فتكون أربع، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فجعل هذا داخلا في الأربع وجعله من الإيمان؛ وذلك لأن الذي يشهد لله بالإلاهية لا بد أن يعبده، والذي يشهد لمحمد بالرسالة لا بد أن يتبعه، إذا قال: محمد رسول الله. أطاعه واتبعه، وإذا قال: لا إله إلا الله. عبد الله.
إقام الصلاة يعني: المواظبة عليها.
إيتاء الزكاة يعني: إخراجها من المال إذا كان عنده مال فيه الزكاة.
صيام رمضان يعني: .. التطوع.. بأدائه لله، أداء الخمس من المغنم يعني: إذا قاتلتم وغنمتم غنيمة فأخرجوا الخمس.
(أخرجوا الخمس) وهذا هو الشاهد حيث إن البخاري قال: أداء الخمس من الإيمان. فإخراج الخمس جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- من خصال الإيمان.
يقول: ونهاهم عن أربع: عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت، وربما قال: المقير .
هذه أواني يجعلون فيها ماء وتمرا، فخاف أن التمر يصير ذلك الماء خمرا حراما، فالحنتم: هو الذي يصنع من الطين وتجعل له رءوس ضيقة هذا الذي يسمى بالجرار، الجرة التي رأسها ضيق ووسطها واسع، إذا جعلوا فيها تمرا وماء ومكث فيها يوم أو نصف يوم يخاف أنه ينقلب خمرا، فهذا مما نهاهم عنه.
الدباء: القرع. نوع من القرع شبه الجرة التي رأسها دقيق، إذا تركت حتى تيبس صلبت قشرتها، وإذا صلبت أخذوا ما في جوفها من الحب ومن اللب واستعملوها، يجعلونها إناء للدهن، وقد يجعلون فيها تمرا وماء أو تمرا وعسلا فيتغير بسرعة لضيق فمها.
النقير: خشبة ينقرونها، قطعة من خشب أثل أو نحوه، يجعلون رأسها ضيقا ثم ينبذون فيها، ويخاف أنها تتغير الأشربة فيها.
المزفت: إناء من خشب أو إناء من حديد أو من نحاس يطلى بالزفت. وربما قال: المقير أي: القار. القار والزفت شيء واحد، هذا الأسود إذا طليت به هذه الأقداح أوشك أنها تغير ما يجعل فيها، فالشاهد أنه جعل أداء الخمس من الإيمان.