إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
128360 مشاهدة
التفكر في حال من سبق ومآل الإنسان ومصيره

...............................................................................


وهكذا أيضا التفكر في نهاية الدنيا إما أن ينظر فيمن سلف من الأمم، فيتفكر في أحوالهم كيف وأنهم ملكوا الدنيا وأنهم بطشوا وتجبروا وتكبروا، وطالت أعمار بعضهم حتى ذكر أن أحد ملوك الدنيا عُمِّرَ أربعمائة سنة، ثم انقضت وكأنه لم يملك ولا ساعة، وروي أيضا أنه عذب بقدر ما ملك وكان يضرب رأسه لما أن دخلت بعوضه في خياشيمه فلم يستطع إخراجها، فكان يعز عليه أو يطلب من يضرب رأسه حتى يخف عنه الألم، وكذلك أيضا ممن طال عمره كنوح ومع ذلك انقضت الأعمار مع طولها، وأن الإنسان مهما طالت حياته ومهما ملك نهايته إلى أن تنقضي هذه الأيام، وتتقلص هذه السنوات، ويكون بعد ذلك الموت، ويكون بعد الموت ما بعده من الحساب والجزاء على الأعمال، فالتفكر في نهاية الحياة يكسب الإنسان عبرة وموعظة، وكذلك أيضا التفكر في آخر الدنيا فيما ورد في آخرها من عجائبها، ومن أشراط الساعة التي وردت في الأحاديث. لا شك أيضا أن هذا يكسب المتفكر موعظة وعبرة وتقوى.
وهكذا أيضا إذا تفكر في الموت وشدته، فتفكر في شدته وفيما يحصل للإنسان عند موته من حضور الملائكة الذين يقبضون الروح، وكذلك حضور الملك ونزع الروح من هذا الجسد الذي ورد في الحديث أنه يقول: اخرجي أيتها الروح الخبيثة أو أيتها الروح الطيبة كانت في الجسد الطيب كنت تعمرينه اخرجي إلى روح وريحان إلى آخر ما ورد كما مر بنا سابقا، ورد لا شك أنه إذا تفكر في خروج روحه، ثم ما بعد ذلك أيضا من دفنه في تلك الحفرة وما يجري عليه من عذاب القبر ونعيمه، وما تتعرض له تلك الروح بعد خروجها من هذا البدن، وكيف تعذب أو تؤلم، وكيف تنعم وتحاسب، وكيف تسأل وتجيب.
إذا تفكر في ذلك، فلا شك أنه يكتسب عبرة وموعظة. يعرف بذلك أيضا كيف يحاسب نفسه، وكيف يستعد لما بعد الموت؛ ولذلك اشتهر عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتأهبوا للعرض الأكبر يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ يعني: تفكروا في هذا تفكروا فيما بعد الموت واعملوا له، وكذلك أيضا استعدوا للحساب قبل أن تحاسبوا، وذلك بأن يحاسب الإنسان نفسه في كل يوم أو في كل شهر كما يحاسبه شريكه. إذا كانا شريكين في تجارة يحاسب هذا أخاه فيما دخل عليه وفيما استهلكه، فكذلك أيضا يحاسب نفسه ماذا عملت؟ وماذا قدمت في هذا اليوم أو في هذا الشهر؟ وكيف أتخلص مما عملته من الخطايا؟ أو ما أشبه ذلك، فهذا ونحوه من التفكر الذي ينفعه، وأهم شيء لو تذكر وتفكر مثلا في البعث والنشور وفي الجزاء على الأعمال صغيرها وكبيرها.
وكيف أن الله تعالى يُحصي أعمال العباد كما في قوله تعالى في الحديث القدسي: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه يتفكر أيضا في هذا الجزاء، ويتفكر في أن صحف الأعمال تحتوي على الصغيرة والكبيرة حتى يقولوا: يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وحتى أن الله تعالى أحصى عليهم مثاقيل الذر في قوله تعالى: وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ كما ذكر أن أعرابيا وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما سمع قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ فانصرف فقيل له: تعلم فقال: كفت الذرتان أي تكفينا. إذا كان مثقال الذرة من خير أو من شر لا بد أن يرى، ولا بد أن يبرز للعابد، فإن ما فوقه أولى بأن يحصى على الإنسان.
فمن تفكر في هذه الأمور وتعقل فإنه يظهر آثار ذلك على أعماله، فيبتعد عن المحرمات صغيرها وكبيرها، ويستعد للقاء الله ويكثر من الأعمال الصالحة، ويعد نفسه من أهل القبور كما ورد في حديث ابن عمر أنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل وكان ابن عمر يقول: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وخذ من صحتك لسقمك ومن حياتك لموتك وفي رواية: وعد نفسك من أهل القبور. أيقنت أنه حضر أجلك وما بقي إلا ساعة تختم بها حياتك، فإن المستقبل لا تدري ما الله تعالى صانع فيه، نستمع إلى كلام المؤلف.