اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شرح كتاب العظمة المجموعة الأولى
127760 مشاهدة
عظمة الله وأنه لا يُدَرك بالحواس

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال رحمه الله تعالى: ذكر تعظيم الرب تبارك وتعالى، وأنه لا يدرك ولا يوصف ولا يحاط به تعالى وتقدس.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال: حدثنا أحمد بن بشير قال: سمعت أبا عبد الرحمن ببيت المقدس يقول: سبحانك موجِدا غير محدود معروفا غير موصوف.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم قال: حدثنا أبو زرعة قال: حدثنا منجاب قال: حدثنا بشر بن عمار قال: حدثنا أبو روق عن عطية عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ قال: لو أن الجن والإنس والشياطين والملائكة منذ خلقوا إلى أن فنوا صفوا صفا واحدا ما أحاطوا بالله عز وجل أبدا .
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا أبو سعيد الكسائي قال: حدثنا منجاب قال: حدثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا قال: لا تعلمون عظمته.
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا رجاء السندي قال: حدثنا أبو خالد عن جويبر عن الضحاك رحمه الله تعالى في قوله تعالى: تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ قال: يتشققن من عظمة الله عز وجل.
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا أبو حاتم قال: حدثنا أبو صالح قال: حدثني معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ قال: ذو العظمة والكبرياء.
قال: حدثنا أبو العباس الهروي قال: حدثنا أبو عامر الدمشقي قال: حدثنا الوليد قال: حدثني خليد بن دعلج أنه سمع قتادة يحدث عن قول الله عز وجل: القدوس. قال: المبارك المؤمن. قال: آمن بقوله أنه حق، المهيمن. قال: أنزل كتابه فشهد عليه، العزيز. قال: العزيز في نقمته إذا انتقم، الجبار. قال: جبر خلقه على ما شاء من أمره المتكبر تكبر عن كل سوء.
قال: حدثنا الوليد قال: حدثنا يعقوب بن سفيان قال: حدثنا العباس عن يزيد عن سعيد عن قتادة رضي الله عنه وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ قال المشركون: إنما هذا كلام أوشك أن ينفد، فأنزل الله عز وجل ما تسمعون يقول: لو كان شجر الأرض أقلاما، وماء البحر سبعة أبحر لتكسرت الأقلام، ونفد ماء البحر قبل أن تنفد عجائب ربي وحكمته وعلمه وخلقه.
قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عمران قال: حدثنا ابن أبي عمر العدني قال: حدثنا مروان بن عبد الواحد وحدثنا الوليد أنبأنا محمد بن أيوب أنبأنا عبد الأعلى عن ابن حماد أنبأنا مروان بن عبد الواحد قال: حدثنا موسى بن أبي درم عن وهب بن منبه رحمه الله تعالى قال: بلغ ابن عباس رضي الله عنهما عن مجلس كان في المسجد الحرام يجلس فيه ناس من قريش فيختصمون، فترتفع أصواتهم فقال ابن عباس رضي الله عنهما: انطلق بنا إليهم فانطلقنا حتى وقفنا عليهم فقال ابن عباس رضي الله عنهما: أخبرهم عن الكلام الذي كلم به الفتى أيوب عليه الصلاة والسلام وهو في بلائه قلت: قال الفتى: يا أيوب أما كان في عظمة الله عز وجل وذكر الموت ما يكل لسانك ويقطع قلبك ويكسر حجتك؟ يا أيوب أما علمت أن لله عبادا أسكتتهم خشية الله عز وجل من غير عِي ولا بكم، وإنهم لهم النبلاء الفصحاء الطلقاء الألباب، العالمون بالله وآياته. إذا ذكروا عظمة الله تعالى تقطعت قلوبهم، وكلت ألسنتهم وطاشت عقولهم وأحلامهم فرقا من الله وهيبة له، فإذا استفاقوا من ذلك استبقوا إلى الله تبارك وتعالى بالأعمال الزاكية. لا يستكثرون له الكثير، ولا يرضون له بالقليل. يعدون أنفسهم مع الظالمين والخاطئين، وإنهم لأنزاه أبرار مع المضيعين والمفرطين، وإنهم لأكياس أقوياء ناحلون ذائبون ذابلون. يراهم الجاهل فيقول: مرضى وليسوا بمرضى، وقد خولطوا وقد خالط القوم أمر عظيم، وكتب إلي رجل أنه بلغه أن ابن عباس رضي الله عنهما قال على إثر قول وهب رحمه الله تعالى: وكفى بك ظالما أن لا تزال مخاصما وكفى بك إثما أن لا تزال مماريا، وكفى بك كاذبا أن لا تزال محدثا في غير ذكر الله عز وجل.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا محمد بن عوف الحمصي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل بن عياش عن أبيه قال: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل قال: ثلاث غيّبتهن عن عبادي. لو أني كشفت غطائي كيف أفعل بخلقي إذا أمتهم، وقبضت السماوات بيميني وقبضت الأرضين ثم قلت: أنا الملك من ذا الذي له ملك دوني.
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن شريح قال: حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال: حدثني عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه رحمه الله قال: قال الله تبارك وتعالى لأرميا عليه السلام: ألم تعلم أن القلوب كلها تصدر عن مشيئتي، وأن الألسن كلها بيدي أقلبها كيف شئت فتطيعني، فلا تتم القدرة إلا لي ولا يعلم ما في غد غيري، فإني أنا الله الذي قامت السماوات والأرض وما فيهن بكلمتي، وأنا الذي كلمت البحار ففقهت قولي، فأمرتها فامتثلت أمري وحددت لها حدا فلا تعدو حدّي. تأتي بأمواج أمثال الجبال، فإذا بلغت حدي ألبستها مذلة طاعتي واعتراف أمري؟


نتفكر في هذه الآثار، وكذلك فيما تدل عليه، ونأخذ من ذلك عبرة وموعظة. الله سبحانه وتعالى كلما يذكر الآيات يذكر من ينتفع بها مثل قوله تعالى: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ ومعناه أن هذه العبر التي نصبها الله عز وجل لعباده لا يتأثر بها إلا هؤلاء. والمراد بقوله: لقوم يعقلون أي لهم عقول واعية تنفعهم عند التأمل عند التفكر، بخلاف القلوب المعيشية التي هم أهلها الأمور الدنيوية أو الشهوات البهيمية، فإنها لا تفيد أهلها، ولذلك يقول الله تعالى فيهم: لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ .