إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
69733 مشاهدة
بيان أنواع الرياح

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال -رحمه الله تعالى-
قال:حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا أبو شيبة الرهاوي قال: حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن عاصم بن أبي النجود عن الحارث بن حسان البكري أحد بني عامر بن ذهل -رضي الله عنه- قال: خرجت أريد النبي -صلى الله عليه وسلم- فمررت بعجوز من بني تميم فاستحملتني إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فحملتها. فلما قدمت المدينة دخلت المسجد؛ فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر وإذا بلال قائم وهو متقلد السيف وإذا رايات سود. قلت ما هذا ؟ قالوا: عمرو بن العاص قدم من غزوته قال: فلما دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- استأذنت عليه فأذن لي فقلت: إن معي عجوزا من بني تميم استحملتني فحملتها فأذن لها. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل كان بينكم وبين بني تميم شيء؟ قلت: نعم كانت لنا الدبرة عليهم قال: إن رأيت يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تجعل الدهناء بيننا وبينهم فافعل. قالت العجوز: فإلى من تضطرنا يا رسول الله مضر قلت: معزا حملت حتفا. حملتك أو جلبتك لتكوني لي خصما فأعوذ بالله يا رسول الله أن أكون كوافد عاد، قال: وما وافد عاد؟ قلت: على الخبير سقطت؛ إن عادا قحطوا، فبعثوا رجلا منهم يقال له: نعيم يستسقي لهم فأتى مكة فنزل على بكر بن معاوية فأقام عنده وغنته الجرادتان جاريتا بكر بن معاوية فأقام عنده، ثم ذكر فقال: إن قومي بعثوا بي أستسقي لهم فقال له بكر استسق لنا معك، فخرج حتى أتى جبال مهرة فصعد فقال: اللهم إني لم آتك لمريض تداويه ولا لعان أفاديه فاسق عادا ما أنت ساقيه واسق بكر بن معاوية فجعل ترفع له السحابة ويقول للسحابة: اذهبي أنت إلى فلان واذهبي أنت إلى بكر بن معاوية قال: فرفعت له سحابة سوداء فقال: هذه لآل عاد: اذهبي إلى عاد فنودي منها أن خذها رمادا رمددا لا تُبق من آل عاد أحدا كانت هي التي أهلكت عادا .
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يسار الحمصي قال: حدثنا الربيع بن روح عن إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو عن أبي الحصين هارون بن رؤبة التغلبي عن أبي فالج الأنماري -رحمه الله تعالى- قال: قدمت هذه المدينة فعرفت أرواحها وغيومها. إذا رأيت هذه الريح شرقية قد دامت، ورأيت السحاب الشامي محلقا فهيهات هيهات؛ ما أبعد غيثها. وإذا رأيت الريح غربية قد تحركت، ورأيت السحاب رابيا متسقا فأبشر بالغيث.
قال: حدثنا أحمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد قال: حدثنا خشنام بن حمويه البلخي قال: حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا أبو معشر عن عيسى بن أبي عيسى الحناط -رحمه الله تعالى- قال: بلغنا أن الرياح سبع: الصبا والدبور والجنوب والشمال والنكباء والحزوق وريح القائم. فأما الصبا فتجيء من المشرق، وأما الدبور فتجيء من المغرب، وأما الجنوب فتجيء عن يسار القبلة، وأما الشمال فتجيء عن يمين القبلة، وأما النكباء فبين الصبا والجنوب، وأما الحزوق فبين الشمال والدبور، وأما ريح القائم فأنفاس الخلق.
قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا أبو عبد الله العجلي قال: حدثنا حسين الجعفي قال: حدثنا إسرائيل أبو موسى البصري عن الحسن -رحمه الله تعالى- قال: جُعلت الرياح على الكعبة فإذا أردت أن تعلم ذلك فأسند ظهرك إلى باب الكعبة، فإن الشمال عن شمالك وهي مما يلي الحجر، والجنوب عن يمينك وهي مما يلي الحجر الأيسر، والصبا مقابلك وهو مستقبل باب الكعبة، والدبور من دبر الكعبة.
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: إذا مطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها فما وقع فيها فهو اللؤلؤ.
قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا المحاربي قال: حدثنا فطر بن خليفة عن حبيب بن أبي ثابت عن عبيد بن عمير رحمه الله تعالى اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا قال: يبعث الله -عز وجل- ريحا فتقم الأرض، ثم يبعث الثانية فتثير سحابا فيجعله كسفا، ثم يبعث الله -عز وجل- الثالثة فيؤلف بينه فيجعله ركاما، ثم الرابعة فتمطر.
قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا الحسين بن علي بن الأسود قال: حدثنا عمرو العنقزي عن أسباط عن السدي -رحمه الله تعالى- وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ قال: يرسل الله -عز وجل- الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين؛ طرف السماء والأرض حين يلتقيان فيخرجه، ثم ينشره فيبسطه في السماء وكيف يشاء فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ قال: بين يدي المطر، والمطر رحمته.
قال: حدثنا العباس بن حمدان قال: حدثنا محمد بن معمر قال: حدثنا روح عن سعيد عن قتادة -رحمه الله تعالى- قال: إن من الرياح عقيما وعذابا حين ترسل لا تلقح شيئا، ومن الريح رحمة تنشر السحاب وينزل بها الغيث.
قال: حدثنا أحمد بن عمر قال:حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد قال: حدثنا الحسين بن علي عن خلف بن خليفة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: الرياح ثمان: أربع منها عذاب وأربع منها رحمة. فأما العذاب منها فالعاصف والقاصف والعقيم والصرصر قال الله -عز وجل- فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ قال: مشئومات، وأما رياح الرحمة: فالناشرات والمنشرات والمرسلات والذاريات.
قال: حدثنا محمد بن إسحاق المسوحي قال: حدثنا موين قال حدثنا شريك عن سالم عن سعيد -رحمه الله تعالى- رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ قال: حر وبرد.
قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا ابن فضيل قال: حدثنا الأعمش عن أنس -رضي الله عنه- قال كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى الريح فزع وقال: اللهم إني أسألك خير ما أمرت به، وأعوذ بك من شر ما أرسلت به .
قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسين قال: حدثنا أبو هشام قال: حدثنا ابن فضيل قال: حدثنا رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول في دعائه: اللهم إني أعوذ بك من شر ما تجيء به الرسل، وشر ما تجيء به الريح .
قال: حدثنا عبدان قال: حدثنا الصاغاني قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن مكحول عن أبي صخر زياد بن صخر عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كانت ليلة ريح كان مفزعه إلى المسجد حتى تسكن الريح، فإذا حدث في السماء حدث من كسوف شمس أو قمر كان مفزعه إلى الصلاة حتى تنجلي .
قال: حدثنا أحمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا فضيل بن عبد الوهاب قال: حدثنا محمد بن يزيد عن جويبر قال: حدثني أبو داود أنه سمع ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول في قوله: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالوا: غيم فيه مطر قال: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ فأول ما عرفوا أنه عذاب. رأوا ما كان خارجا من رجالهم ومواشيهم يطير بين السماء والأرض مثل الريش؛ دخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح ففتحت أبوابهم ومالت عليهم بالرمل، فكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام حسوما لهم أنين، ثم أمر الريح فكشفت عنهم الرمل وأمرها فطرحتهم في البحر فهو قوله سبحانه: فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ .
قال: حدثنا أحمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثني إبراهيم بن سعيد قال: حدثنا أبو اليمان عن أبي بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب -رحمه الله تعالى- قال: الدبور الريح الغربية والقبول الريح الشرقية، والشمال الريح الجنوبية واليمان الريح القبلية، والنكباء التي تأتي من الجوانب الأربع.
قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا شجاع بن الأشرس قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن محمد بن عجلان عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار -رضي الله عنه- قال: قلت لكعب -رحمه الله تعالى- من ساكن الأرض الثانية؟ قال: الريح العقيم لما أراد الله -عز وجل- أن يهلك قوم عاد أوحى إلى خزنتها أن افتحوا منها بابا قالوا: يا ربنا مثل منخر الثور قال: إذا تكفأ الأرض بمن عليها فقال: افتحوا منها مثل حلقة الخاتم.
قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال: حدثنا ابن إسماعيل قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا عصفت الريح يقول: شدوا التكبير فإنه يذهب.
قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: الريح ثمان: أربع رحمة وأربع عذاب. الرحمة: المبشرات والمنتشرات والمرسلات والرخاء، والعذاب: العاصف والقاصف وهما في البحر والعقيم والصرصر وهما في البر.
قال: حدثنا أحمد بن عمر قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا الحارث بن مسكين عن ابن وهب عن مالك -رحمه الله تعالى- قال: سئلت امرأة من بقية قوم عاد أي عذاب الله أشد؟ قالت: كل عذابه شديد وسلام الله ورحمته على ليلة لا ريح فيها قالت: ولقد رأيت العير تحملها الريح بين السماء والأرض.
قال: حدثنا أحمد بن محمد بن شريح قال: حدثنا محمد بن رافع قال: حدثنا إسماعيل قال: حدثنا عبد الصمد قال: سمعت وهبا -رحمه الله تعالى- يقول: إن عادا لما عذبهم الله -عز وجل- بالريح التي عذب بها كانت تقلع الشجرة العظيمة بعروقها، وتهدم عليهم بيوتهم، فمن لم يكن منهم في بيت هبت به الريح حتى تقصيه في الرمال فهلكوا بذلك كلهم.


نأخذ من هذه الآثار عبرة وموعظة، ودليلها من القرآن. إذا تأملنا الآيات القرآنية وجدنا فيها ذكر هذه الرياح وهذه الريح، فقد ذكر الله تعالى الريح التي أهلك بها عادا. قال تعالى: وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سمعنا في بعض الآثار تفسير (عاتية) أنها عتت أي: خرجت بقوة، وأنها سائر الرياح لا يخرج منها إلا شيء يسير، وأما هذه فقد خرجت عاتية، أي: بدون تقدير إلا أن الله يفعل ما يشاء.
وسمعنا أن الله لما أمر الملائكة أن يفتحوا باب الريح، بابا ليهلك قوم عاد، ما فتحوا إلا قدر الخاتم، أي سعتها بقدر سعة الخاتم الذي يلبس في الإصبع، لو فتح أكثر من ذلك لاحتملت القصور وجميع ما على وجه الأرض. فهذا المقدار أهلك الله تعالى به عادًا سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا أي شديدة فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى أي منكسين أو مطروحين على وجه الأرض كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ أي: كأنهم جذوع نخل قد خوت ويبست. ذكر أنها استمرت عليهم سبع ليال وثمانية أيام، أي ثمانية من النهار، ابتدأت بالنهار، وانتهت بالنهار، وبين ذلك سبع ليال، وأنها صرمتهم.
في بعض الآثار التي سمعنا: أنها تراكمت عليهم حتى اندفنوا في الرمل، ثم أمر الله تعالى الريح فنسفت ما عليهم من التراب، وحملتهم وأُلْقُوا في البحر، وأصبحت المساكن منتصبة، يقول تعالى: فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ودمرت ما كانوا يملكون، هذه من آيات الله تعالى عبرة وموعظة. ذكر في الحديث أنها الريح الغربية، يقول النبي-صلى الله عليه وسلم- نُصِرْت بالصبا، وأُهْلِكَت عاد بالدبور الصبا: التي تأتي من المشرق، والدبور: التي تأتي من المغرب. فهذه التي أهلك الله تعالى بها قوم عاد.
ذكر في هذا الأثر الذي ذكره المؤلف وذكره أيضا ابن كثير وابن جرير أيضا عند تفسير قصة عاد في سورة الأعراف في قوله تعالى: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إلى آخر القصة : أن عادا لما قحطوا وطال بهم القحط وجفت الأرض ويبست وغارت المياه وكادوا أن يغرقوا أرسلوا اثنين منهم لأجل أن يستسقوا هم، يعرفون أن الله تعالى هو الذي يرسل الرياح، وهو الذي ينزل السحب، وهو الذي يغيث، وهو الذي يسلط القحط على من يشاء، يعترفون بذلك، ولكنهم يشركون: يعبدون مع الله آلهة أخرى، لما تمادوا في شركهم أرسل الله إليهم نبيه هودا عليه السلام، فلما بلغهم ما أرسل به وقال: أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا يدل على أنهم كانوا يعبدون آلهة أخرى أخذوها عن آبائهم وأن هودا أمرهم بأن يعبدوا الله وحده فقالوا: فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فهددهم، وقال: قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ يتوعدهم بأن الله غضب عليهم.
فالحاصل أن الله أهلكهم بهذه الريح، كما في قوله تعالى: إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ العقيم: هي التي لا خير فيها، ولا فائدة فيها، بل فيها ضرر وصفها بقوله: مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ أي: كالرفات، الرميم هو رفات الشيء إذا أكلته الأرض، العظم إذا أكلته الأرض أصبح رميما، ولهذا قال بعض المشركين: مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ؟ أصبحوا كالرميم. هذه من آيات الله تعالى، وكذلك أيضا لما جاء المشركون يوم الأحزاب سنة خمس حاصروا المدينة وضيقوا على المسلمين، وشددوا الحصار عليهم دعا الله نبيه-صلى الله عليه وسلم- فعاقبهم الله في ليلة من الليالي شديدة البرد، أرسل الله عليهم الريح، وأرسل عليهم الملائكة، تقلع خيامهم وتكفئ قدورهم وتطفئ نيرانهم، فلم يقر لهم قرار. قال الله تعالى: إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا ما رأيتم تلك الجنود الذين هم الملائكة ولا ضرتكم تلك الريح، لما أن الله سلطها عليهم فأضرتهم رجعوا قال الله تعالى: وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ردهم بغيظهم وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا فنصر الله تعالى نبيه بهذه الريح التي أرسلها عذابا على هؤلاء الأحزاب المتحزبين، ولن تضر المسلمين: آية وعبرة. ولهذا قال : نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور .