جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
70040 مشاهدة
ما ورد من ذكر يأجوج ومأجوج ووصفهم

...............................................................................


بعد ذلك ذكر أنه رجع حتى إذا وصل بين السدين السدين يعني السد الذي أقامه، عند ذلك وجد أولئك الأقوام الذين طلبوا منه أن يبني ذلك السد وقالوا له: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا يعني أن هذا القسم من الناس مفسدون فاجعل بيننا وبينهم ردما، فأعانه الله وبنى ذلك السد الذي أصبح حاجزا ومانعا ليأجوج ومأجوج أن يأتوا إلى أولئك فلا يصلون إلى ما كانوا يرومونه من الإفساد؛ ففي هذه القصة أنه عمر أو بنى هذا السد الذي منع يأجوج ومأجوج من أن يصلوا إلى أولئك ليفسدوا في الأرض.
وقد ذكر الله تعالى يأجوج ومأجوج أيضا في سورة الأنبياء قال الله تعالى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم -أنهم يخرجون في آخر الدنيا وأنهم يفسدون في الأرض وأنهم لكثرتهم يشربون مياه الأنهار المياه الجارية أو مياه البحار ثم يفسدون في الأرض فعند ذلك يشتكي المسيح ومن معه إلى الله تعالى فسادهم ومضايقتهم فيرسل الله إليهم النغف- دود يكون في رقابهم - فيصبحون صرعى كموت رجل واحد ثم تنتن الأرض من آثار جيفهم فيرسل الله ريحا فتحمل جثثهم وتلقيها في البحر وينزل الله تعالى مطرا فيغسل الأرض بعد نتنهم حتى تكون كالزلفى أي كالمرآة الصافية هذا هو الذي ذكر الله تعالى عن قصة يأجوج ومأجوج.
وأما ما يذكر في كتب التفاسير وكتب القصص من أنهم صغار الأجسام، وأن طول أحدهم شبر أو نحوه فالظاهر أن هذا من التخرص، وكذلك ما ورد أيضا أن أحدهم لا يموت حتى يولد له من نسله ألف هذا أيضا ليس بصحيح، ولو كان كذلك لملئوا الدنيا ونحن لا نعلم أين يكونون إلا أنهم بشر وأنهم لهم عقول وأنهم مكلفون ومخاطبون وثبت في الحديث لما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم -أهل النار لما قال في حديث يوم القيامة : يقول الله تعالى: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثا إلى النار. فيقول: من كم يا رب؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وواحد في الجنة. حزن الصحابة، وقالوا: أينا ذلك الواحد إذا كان لا يدخل الجنة إلا واحد من الألف والبقية من نصيب النار فأينا ذلك الواحد؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد. .
ففي هذا إقرار بأن يأجوج ومأجوج بشر وأنهم مكلفون ومأمورون ومنهيون وأنهم يثابون أو يعاقبون وانهم خلق كثير لا يحصي عددهم إلا الله وأما ما ذكر في تلك القصص فإنها غير موثوق بها .
ذكر بعض المؤرخين في زمن أحد الخلفاء أراد أن يبحث عن سد يأجوج ومأجوج هذا السد الذي بناه ذو القرنين أين يقع فأرسل من يسأل عنه قبل المشرق وأمر كل أمير دولة أن يمد هؤلاء ويزودهم برواحل إذا تعبت رواحلهم ويزودهم بأطعمة وأمتعة، يقول: ثم إنهم أمعنوا السير وقطعوا الفيافي وقطعوا البحار يسألون عن هذا السد ثم عثروا عليه بعد ذلك في جهة من الأرض ولما عثروا عليه وإذا هو سد منيع ومرتفع ارتفاعا كبيرا وإذا هو أملس كالصفا وإذا هو واقف كالحائط لا يستطيع أحد أن يتسلقه.
ذكروا أيضا أن فيه قفل كبير يفهم منه أن فيه باب يفتح إذا أريد فتحه، وذلك القفل قد أقفل به ذلك الباب، وسألوا من حوله هل تعرفون من وراء هذا السد قالوا: لا نعرفه ولكن سقط علينا مرة منه من أعلاه مخلوق وهذا المخلوق من صفته أنه صغير كهيئة حيوان صغير كالأرنب أو نحوه، وأن له لسانا وله سمعا وبصرا وله يدين ورجلين ولكن لا نعرف كلامه، فقالوا: هذا من جنس هذا الخلق الذين هم يأجوج ومأجوج القصة وذكرها ابن كثير في البداية والنهاية .
ولكن قد يكون ذلك غير متحقق ثبت في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم - دخل مرة على زينب أم المؤمنين وهو يقول: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بإبهامه والتي تليها فقالت زينب أنهلك وفينا الصالحون قال: نعم، إذا كثر الخبث .
ذكر في بعض الأحاديث أن يأجوج ومأجوج ينحتون في هذا السد كل يوم فإذا جاء الليل ورجعوا ليبيتوا وأتوا في الصباح وإذا هو قد عاد كما هو قد التحم وقد رجع كما هو، وهكذا يستمرون في النحت إلى أن يأتي الزمان الذي يأذن الله تعالى في أنهم يخرقونه ويخرجون من ورائه.