إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شرح كتاب العظمة المجموعة الثالثة
69168 مشاهدة
وجوب الإيمان بما جاء في القرآن من القصص

...............................................................................


فإذا عرفنا ذلك فنقول: إن الله تعالى ذكر أن هذا العبد الصالح الذي هو ذو القرنين بلغ المشرق والمغرب في قوله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ ثم قال: ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ فلا بد أن نعتقد بأنه وصل إلى مكان رأى الشمس تغرب فيه في تلك العين، وإن كان وراءها ناس وخلق ولكنه وقف عند تلك العين ولم يستطع أن يتجاوزها، ولعل ذلك بحر من البحار التي رأى أنه لا يمكن قطعها فتوقف عند ذلك أمره الله بقوله: إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا إلى آخر الآيات.
ثم بعد ذلك رجع جهة المشرق فتوجه جهة المشرق حتى وصل إلى مكان لم يجد وراءه مسيرا، ووجد الشمس تطلع على قوم لا يكادون يفقهون قولا أي لا يعرفون كلامه، وذلك لأن لغات أهل الأرض متفاوتة ولعل الله تعالى فتح عليه وعلمه لغة كل قوم حتى يقيم عليهم الحجة ويدعوهم إلى الله تعالى ويثيب من أطاعه واتبعه ويعاقب من عصاه ولذلك قال: أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا .
نصدق بما أخبر الله تعالى عنه في هذه الآيات أنه بلغ المغرب والمشرق، ولكن نعرف أن الأرض ليس لها نهاية حتى يصل إلى منتهاها، ونعرف أيضا أن المراد بالمشرق والمغرب هو ما انتهى إليهما السير، وقد يكون قطع ذلك في عشر سنين أو في عشرين سنة أو في أكثر أو في أقل، فإن ذلك قد يكون في الإمكان إذا أمده الله تعالى بقوة وأعطاه ما يتمكن به من السير في أرجاء الأرض، وبكل حال فإن هذا مما امتحن الله تعالى به العباد هل يصدقون أم لا يصدقون، فإذا آمنوا بما أخبر الله تعالى في ذلك كله وإن لم تدركه عقولهم كان هذا مما يثابون عليه ويدخل في الإيمان بالغيب الذي مدح الله تعالى به في قوله تعالى : هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ فنؤمن بالغيب الذي أُخبرنا به فيما سبق وإن لم نتخيل وقوعه، وكذلك أيضا نؤمن بالغيب الذي أخبرنا به في المستقبل وما يكون من أمر هذه المخلوقات .
قد أخبرنا الله تعالى أنه إذا قامت القيامة فإن الشمس تكور في قوله: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ أي جمعت ولو كانت أكبر من الأرض أو مثلها أو نحو ذلك، وأخبر بأن النجوم مع كثرتها تتساقط في قوله تعالى: وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ أي تساقطت سقطت كما يشاء الله نصدق بذلك، وإن كنا نعرف أيضا أنها كبيرة لا يقدر قدرها إلا الله تعالى يعني هذه النجوم التي هي مركبة في السماء الدنيا والتي جعلها الله تعالى زينة لها قال الله تعالى: وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا أي هذه المصابيح التي هي النجوم جعلها الله تعالى زينة للسماء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدى بها وسماها مصابيح وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ .
فإذا كان يوم القيامة فإنها تتناثر على الأرض وتمد هذه الأرض مد الأديم العكاظي ويبسطها الله تعالى ويحاسب الخلق عليها ويجمع الله عليها أول الخلق وآخرهم كما قال الله تعالى: قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ فإذا كان يوم القيامة جمعهم الله جمعهم في صعيد واحد وحاسبهم، وكانوا جميعا على وجه الأرض ولو كانوا كثيرا لا يحصي عددهم إلا الله تعالى.
فعند ذلك يثيب الله الصالحين والأتقياء ويعاقب غيرهم من الكافرين بما يشاء كما عاقب بعضهم في الدنيا وعجل لهم العقوبة وأثاب بعضهم وعجل لهم ثوابا وادخر لهم أيضا الثواب، فكل ذلك مما يصدق به العباد، أما بعد البعث وعندما يدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار، فقد قيل أيضا: إن هناك ما يستدلون به على الليل والنهار وأنه هناك ليل ونهار واستدل بقول الله تعالى: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا يدل على أن هناك بكرة التي هو أول النهار وعشيا يعني هو آخر النهار، ولكن قيل إن معنى ذلك رزقهم يأتيهم كل وقت كما يأتيهم في الدنيا في أول الليل وفي آخره أو في أول النهار وفي آخره بكرة وعشيا.
وورد أيضا في بعض الأحاديث في صفة يوم القيامة أن الشمس تدنو من العباد حتى تكون كالميل يقول الراوي: فلا أدري هل أراد الميل الذي تكحل به العين أو الميل الذي هو المسافة مسافة السير، فإن هناك مسافة نحو كيلوين إلا ثلث تسمى الميل ويمكن أنه أراد أنها تدنو حتى تكون في هذه المسافة ويزاد في حرها فحينئذ يعرق الناس إذا اشتدت عليهم حرارتها، ولعل ذلك قبل أن يأتي الزمان الذي يكورها الله تعالى ورد أيضا في بعض الأحاديث: أن الشمس والقمر عقيران يوم القيامة في النار وذلك لأنهما كانا خلقا لأمر من الأمور فإذا انقضى ذلك الأمر فإن الله تعالى يزيل أجرامهما، خلقهما الله تعالى للعبرة وخلقهما لمعرفة الحساب وخلقهما للنور والإضاءة فإذا كان يوم القيامة وزالت الحاجة إليهما فإنهما يكونان عقيرين، ورد أيضا في بعض الأحاديث أنه يقال: لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ومن كان يعبد القمر القمر قيل معناه أن الشمس تنزل ويقال: هذه الشمس التي كنتم تعبدونها فيتبعونها، حتى يسقطوا في النار، ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت.
فكل ذلك دليل على أن هذه الشمس والقمر أنها مؤقتة بهذه الدنيا وأنها يوم القيامة تزول الحاجة إليها، وأنه ليس في الجنة ليل ولا نهار وإنما نورهم من نور الله تعالى ولهذا روي أيضا أن وقتهم كله ضياء ليس فيه حرارة شمس ولا فيه ظلمة ليل وهذا من تمام نعيم أهل الجنة أنهم نهارهم وليلهم سواء، وأما أهل النار فقد يكونون في ظلمة شديدة عقوبة لهم والله على كل شيء قدير .