إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)
شرح لمعة الاعتقاد
186822 مشاهدة
الإيمان بما جاء عن الله ورسوله على مراد الله ورسوله

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: آمنت بالله وبما جاء عن الله ، على مراد الله ، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله.
وعلى هذا درج السلف وأئمة الخلف رضي الله عنهم كلهم متفقون على الإقرار والإمرار والإثبات لما ورد من الصفات في كتاب الله وسنة رسوله من غير تعرض لتأويله.
وقد أمرنا بالاقتفاء لآثارهم والاهتداء بمنارهم وحذرنا المحدثات.
وأخبرنا أنها من الضلالات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة .
وقال: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كلاما معناه قف حيث وقف القوم فإنهم عن علم وقفوا وببصر نافذ كفوا ولهم على كشفها كانوا أقوى وبالفضل لو كان فيها أحرى.
فلئن قلتم حدث بعدهم فما أحدثه إلا من خالف هديهم ورغب عن سنتهم ولقد وصفوا منه ما يشفي وتكلموا منه بما يكفي فما فوقهم محسر وما دونهم مقصر لقد قصر عنهم قوم فجفوا وتجاوزهم آخرون فغلوا وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم.
وقال الإمام أبو عمرو الأوزاعي رضي الله عنه: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول. وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها.
قال: لم يعلموها قال فشيء لم يعلمه هؤلاء علمته قال الرجل: فإني أقول قد علموها قال أفوسعهم أن لا يتكلموا بها ولا يدعو الناس إليها أم لم يسعهم قال: بلى وسعهم قال: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لا يسعك أنت فانقطع الرجل فقال الخليفة -وكان حاضرا- لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم.
وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان والأئمة من بعدهم والراسخين في العلم من تلاوة آيات الصفات وقراءة أخبارها وإمرارها كما جاءت فلا وسع الله عليه.
فمما جاء من آيات الصفات قول الله تعالى وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وقوله سبحانه بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ وقوله تعالى إخبارا عن عيسى عليه السلام أنه قال تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ وقوله سبحانه: وَجَاءَ رَبُّكَ وقوله هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ .
وقوله تعالى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وقوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وقوله في الكفار غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وقوله تعالى اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وقوله تعالى كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ من السنة قوله صلى الله عليه وسلم.


السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على محمد وعلى آله وصحبه؛ أقوال هؤلاء الأئمة قدوة وذلك لأنهم تعلموا على الصحابة رضي الله عنهم ولأنهم فهموا كلام الله تعالى فهم أولى بفهمه لأن القرآن نزل بلغتهم أو أدركوا أهل اللغة وعرفوا ما يتكلمون به وعرفوا معاني القرآن.

وكذلك أيضا لا شك أنهم تكلموا بما سمعوا وهم من قبلهم فإنهم تلامذة الصحابة أو تلامذة تلامذتهم فهم أولى بأن تكون أقوالهم دليلا وأيضا فإنهم لم يقولوا إلا بما يتضمنه كلام الله تعالى وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم.
فإن الإمام أحمد رحمه الله ما تكلم بذلك الكلام الذي يتعلق بالصفات إلا بعد ما أخذ معنى كلامه هذا عن مشائخه، ومشائخه تلامذة الصحابة أو تلامذة تلامذتهم، فإنه اعترف بأن الله تعالى وصف نفسه بصفات في القرآن ووصفه بها نبيه صلى الله عليه وسلم، الله تعالى أعلم بنفسه من هؤلاء المبتدعة، والنبي صلى الله عليه وسلم أعلم بربه من هؤلاء المبتدعة.
المبتدعة الجهمية والمعتزلة والأشعرية والكرامية والكلابية وما أشبههم، إنما يقولون بما تخوله لهم عقولهم، ليسوا عن علم، وليسوا عن دليل فلأجل ذلك نصف الله تعالى بما وصف به نفسه ولا نرد على النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه ونعتقد أن الله تعالى لا يبلغه وصف الواصفين.
ولو وصفوه فإنهم لا يدركوا كنه صفاته، ولا يصلوا إلى حقيقة ذاته لا يبلغ الواصفين وصفه، وأن صفاته تؤخذ من القرآن كله فنؤمن به محكمه ومتشابهه، ولا نترك شيئا من الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه كالسمع والبصر والعلم والقدرة ونحوها من الصفات، ولو أنكر ذلك علينا من أنكره.
لو أنكره من أنكره من هؤلاء المبتدعة ولو شنعوا علينا فلا نتعدى كلام الله تعالى ولا نتعدى كلام النبي صلى الله عليه وسلم ونعلم أن الصفات حقيقية إلا أنا لا نصل إلى كنهها وإلى كيفيتها وإنما نتبع ولا نبتدع.
فهذا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله من قد أدرك يعني أدرك التابعين وأخذ عن بعضهم؛ فلذلك يكون تلميذا لتلامذة الصحابة روى كثيرا عن الإمام مالك توفي رضي الله عنه سنة مائتين وأربع.
ولا شك أنه أخذ عن بعض التابعين وجملة روايته عن تابع التابعين، كلامه هذا يقوله كثيرا من الأئمة، فيقول رضي الله عنه: آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله.
ما جاء عن الله تعالى: هو ما في القرآن جاء عن الله تعالى فمن ذلك ما جاء عنه في القرآن من الصفات، وما جاء عن نبيه صلى الله عليه وسلم من الصفات من صفات الله تعالى، نؤمن بما جاء عن الله وعن رسوله على مراد النبي صلى الله عليه وسلم وعلى مراد الله تعالى.