اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
شرح لمعة الاعتقاد
193358 مشاهدة
إثبات اليد لله سبحانه وتعالى

وقوله تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ في هذه الآية إثبات اليدين, واليدان هما صفة ذات وردت بالتثنية في هذه الآية بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ وفي قوله تعالى: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خلقت بيدي صريح في إثبات اليدين وقوله تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ هنا ذكر اليد مفردة وقوله تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
ووردت أيضا بالجمع مضافة إلى ضمير الجمع في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فذكرها هنا بلفظ الجمع, وذلك لأنه أضافها إلى ضمير الجمع فناسب أن يكون ضمير الجمع فيه جمع الأيدي والجمع للتعظيم، الله تعالى يعظم نفسه فيذكر نفسه بلفظ الجمع كقوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ إِنَّا فَتَحْنَا نَحْنُ قَسَمْنَا هذه الآيات ذكر الله نفسه بلفظ الجمع وهو واحد.
وكذلك يذكر نفسه بلفظ الجمع بلفظ الفعل كقوله: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ فالضمير هاهنا بلفظ الجمع لأجل التعظيم يعظم الله نفسه بلفظ الجمع فقوله: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا الأيدي هنا ضمير الجمع يدل على التعظيم؛ فلما أفرد الضمير أفرد اليد تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ لم يقل بيدنا؛ أفرده وأفرد اليد, وكذلك قوله: بِيَدِكَ الْخَيْرُ لم يقل: بأيديك ذكره بلفظ المفرد؛ لأن الضمير مفرد بِيَدِكَ ولم يقل بيدكم, فإذا جاءت مفردة؛ فهي للجنس, وإذا جاءت مجموعة؛ فهي للتعظيم, وإذا جاءت مثناة فهي للتثنية.
فهذه صفة ذات وجاءت أيضا في الأحاديث الكثيرة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: يمين الله ملأى لا تغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه وبيده الأخرى القبض أو القسط يخفض ويرفع فأثبت لله تعالى في هذا الحديث صفة اليدين وكان دائما يقسم بقوله: والذي نفسي بيده يعني أنه أثبت لله تعالى اليد, وأخبر بأن نفوس العباد بيده تعالى.
وذكر ابن كثير رحمه الله عند تفسير قوله تعالى في سورة الزمر: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ذكر أحاديث كثيرة فيها مثل قوله: يقبض الله السماوات بيده والأرض بيده الأخرى ثم يهزهن فيقول أنا الملك أين ملوك الأرض وكذلك الحديث الذي فيه: أن الله يضع السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والماء والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ثم يهزهن فيقول أنا الملك وأحاديث كثيرة فيها قبض الله تعالى المخلوقات بيديه, وإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يقبضها بيديه وأنه يهزهن ويقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون .
وفي لفظ يقول: لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار والأحاديث كثيرة في إثبات صفة اليد لله تعالى واليدين.
وقد أنكر ذلك المعتزلة والأشعرية ونحوهم, وادعوا أن اليد هنا بمعنى النعمة لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أي: بنعمتي, أو بقدرتي, وهذا تأويل صرف للفظ عن ظاهره, ولو كان كذلك لقال إبليس وأنا خلقتني بقدرتك وسائر المخلوقات خلقتها بقدرتك فما مزية آدم الذي قال لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ .
لا شك أن هذا تحريف للكلم عن مواضعه وإبطال لدلالة النصوص الذين قالوا لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أي: بقدرتي أو بنعمتي، ثم إن في الآية التثنية بيدي فهل يقال: بقدرتين, أو بنعمتين؛ نعم الله كثيرة وتفرد ويراد بها الجنس وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ فلذلك هذا التأويل بعيد, وقد تكلف المؤولون حتى ذكر بعضهم كابن حجر في فتح الباري: أن لليد ثلاثين معنى أو عشرين معنى تطلق عليها اليد، ولكن إنما تلك اصطلاحات إذا قالوا مثلا إن في حديث عروة بن مسعود قوله لأبي بكر لولا يد لك عندي لم أكافئك عليها لأجبتك يريد باليد: المنة أو العطية وما أشبهها, فإنه أراد بذلك أنك أعطيتني بيدك وذلك لأنه أعانه في شيء تحمله أعانه بمال دفعه بيده.
فالحاصل أن عند أهل السنة أن اليد صفة من صفات الله تعالى أثبتها الله تعالى لنفسه وإذا أثبتنا اليد أو أثبتنا الوجه فإننا ننزهها عن مشابهة الخلق؛ عن مشابهة صفات المخلوقين؛ عن وجه المخلوقين وعن يد المخلوقين لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ فليس لله تعالى مثل في صفاته ولا في أفعاله.