إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه
فصول ومسائل تتعلق بالمساجد
13977 مشاهدة
الفصل الثاني في فضل بناء المساجد وعمارتها

بعد أن عُرف فضل هذه المساجد وشرفها، فقد ورد ما يدل على فضل بنائها وعمارتها الحسية والمعنوية، فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن عثمان -رضي الله عنه- أنه قال لما بنى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنكم أكثرتم عليّ، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة وفي رواية: بنى الله له في الجنة مثله .
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من بنى مسجدا صغيرا أو كبيرا بنى الله له بيتا في الجنة (رواه الترمذي) وعن عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنى لله مسجدا ليذكر الله فيه بنى الله له بيتا في الجنة (رواه النسائي ) .
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من بنى مسجدا يذكر فيه اسم الله بنى الله له بيتا في الجنة (رواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه) .
وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنى لله مسجدا من ماله بنى الله له بيتا في الجنة [رواه ابن ماجه ] . وله عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة [وإسناده صحيح] .
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا أوسع منه في الجنة [رواه أحمد وفيه الحجاج بن أرطاة متكلم فيه] . وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من بنى مسجدا فصلى فيه بنى الله -عز وجل- له في الجنة أفضل منه [رواه أحمد والطبراني وفيه: الحسن بن يحيى ضعفه الدارقطني ووثقه أبو حاتم ) .
وعن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة لبيضها بنى الله له بيتا في الجنة [رواه أحمد والبزار وفيه: جابر الجعفي وفيه ضعف] .
وعن أبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من بنى لله مسجدا قدر مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة [رواه البزار والطبراني في الصغير، والبيهقي وابن حبان في صحيحه، كما في الإحسان من طريق الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه، قال في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات) .
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة [رواه البزار والطبراني وفيه: الحكم بن ظهير وهو متروك] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنى بيتا يعبد الله فيه من مال حلال بنى الله له بيتا في الجنة من در وياقوت [رواه الطبراني في الأوسط والبزار وفيه: سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف] .
وعن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة قالت: وهذه المساجد التي في طريق مكة؟ قال: (وتلك) [رواه البزار والطبراني في الأوسط وفيه: كثير بن عبد الرحمن ضعفه العقيلي وذكره ابن حبان في الثقات] .
وعن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من بنى لله مسجدا لا يريد به رياء ولا سمعة بنى الله له بيتا في الجنة [رواه الطبراني في الأوسط، وفيه المثنى بن الصباح ضعفه القطان ووثقه ابن معين في رواية، وضعفه في أخرى] .
وعن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة [رواه الطبراني في الأوسط، وفيه: وهب بن حفص وهو ضعيف] وعن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة [رواه الطبراني في الأوسط وفيه المثنى بن الصباح ضعفه القطان ووثقه ابن معين في إحدى الروايات) .
وعن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنى لله مسجدا يراه الله بنى الله له بيتا في الجنة، فإن مات من يومه غفر له، ومن حفر قبرا يراه الله بنى الله له بيتا في الجنة، وإن مات في يومه غفر له [رواه الطبراني في الأوسط، وفيه: عمران بن عبيد الله قال البخاري فيه نظر، وضعفه ابن معين وذكره ابن حبان في الثقات] .
وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنى لله مسجدا بنى الله له في الجنة أوسع منه [رواه الطبراني في الكبير، وفيه: عدي بن يزيد وهو ضعيف] .
وعن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة [رواه الطبراني ورواه أحمد بلفظ: فإن الله يبني له بيتا أوسع منه في الجنة ورجاله موثوقون] .
وعن نبيط بن شريط قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بنى مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة [رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وشيخ الطبراني فيه كذبه صاحب الميزان] .
وعن أبي قرصافة أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها، فمن بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة. قال رجل: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذه المساجد التي تبنى في الطريق؟ قال: نعم، وإخراج القمامة منها مهور الحور العين [رواه الطبراني في الكبير وفي إسناده مجاهيل] .
هكذا أورد هذه الأحاديث أو أكثرها المنذري في الترغيب والترهيب، والهيثمي في مجمع الزوائد، ومجموعها يدل على أن الحديث متواتر حيث رواه ثمانية عشر من الصحابة، وبعضهم روى حديثين كابن عباس وعائشة وأبي هريرة رضي الله عنهم، وما في بعضها من الضعف ينجبر برواية الآخرين، فيدل على القطع بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- رغب في بناء المساجد.
وقد اشترط في أكثرها أن يكون البناء لله تعالى، أي: يريد به وجه الله والدار الآخرة، لا يريد به رياء ولا سمعة، ولا يتمدح به، ولا يمن به على المصلين، وإنما يقصد الأجر من الله تعالى، وذلك شرط ثقيل، وعلامة ذلك أن يخفي نفسه، أو لا يحب ذكر فعله على وجه الإعجاب بعمله، وقد جعل ثوابه على ذلك أن يبنى الله له بيتا في الجنة، وهذا أجر عظيم، فقد ورد أن موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما عليها .
وقوله في بعض الأحاديث: ولو كمفحص قطاة أي: الموضع الذي تصلحه من الأرض لبيضها، ولكنه أراد المبالغة في الصغر، حتى لا يحتقر أحد ما بناه من المساجد ولو في غاية الصغر، وقد يدخل في ذلك من ساهم في بنائه ولو باللبن أو الطين، أو عمل فيه بيده، أو دفع أجرة العاملين، ونحو ذلك من العمل الذي ينسب إلى صاحبه أنه ساعد في بناء المسجد بنفسه أو ماله، احتسابا وطلبا للأجر المرتب على ذلك، وهو أن يبني الله له مثله، أو أوسع منه في الجنة.
حيث إن البيت في الجنة لا يقاس بما في الدنيا، ولا نسبة بينهما، وذلك مما يدفع من وسع الله عليه إلى المسارعة في الخيرات، واغتنام الفرصة في هذه الحياة، فيقدم لآخرته ما يجد ثوابه مضاعفا عند ربه أضعافا كثيرة.
ثم إنه يستحب عدم الزخرفة والتباهي في المساجد، فقد ذكر البخاري عن أنس قال: يتباهون بها ثم لا يعمرونها [وهذا الحديث رواه أحمد والدارمي وابن ماجه وغيرهم بلفظ: لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس في المساجد وفي رواية: يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ولا يعمرونها إلا قليلا ].
وروى ابن ماجه عن عمر رضي الله عنه مرفوعا: ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم . وذكر البخاري عن ابن عباس قال: لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى .
ولابن حبان وأبي داود عن ابن عباس مرفوعا: ما أمرت بتشييد المساجد . قال البخاري وأمر عمر ببناء المساجد، وقال: أكن الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس .
وقد كثر التباهي في هذه الأزمنة بالمساجد، وأسرفوا في زخرفتها وكثرة الإنفاق عليها، وقد أفتى المشايخ بجواز تشييدها إذا شيدت المساكن والمنازل، حتى لا تكون المساجد مشوهة حقيرة بالنسبة إلى البيوت والمنازل، لكن بدون الإسراف والمبالغة في الزخرفة والرفع، وكثرة الإنفاق والألوان والأصباغ، والتنوع في ما يصرف فيها من الخزف والبلاط، والفرش مما لا حاجة إليه، فهناك مساجد بحاجة إلى أدنى عمارة.