إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
فصول ومسائل تتعلق بالمساجد
14031 مشاهدة
سابعا: المرور في المسجد واتخاذه طريقا لغير حاجة

فإن المساجد لها مكانتها وشرفها، فلا يجوز امتهانها بكثرة المرور والعبور فيها من باب لباب دون حاجة ضرورية، وإنما لمجرد العادة أو اختصار الطريق، فأما إن كان المرور لحاجه فلا بأس بذلك، وهو ما كان يقع في العهد النبوي.
وقد ترجم البخاري في صحيحه (باب المرور في المسجد ) وذكر فيه حديث أبي موسى رفعه: من مر في شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل فليأخذ على نصالها .. إلخ.
وروى قبله حديث جابر بلفظ: مر رجل في المسجد ومعه سهام . . إلخ.
ولعل ذلك كان لحاجة ألجأته إلى المرور، وقد يراد بالمرور الدخول لصلاة أو عبادة ونحو ذلك.
وهكذا ما روي في تفسير قوله تعالى: وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ .
عن ابن عباس قال: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ قال: تمر به مرا ولا تجلس [رواه ابن أبي حاتم ] .
وروى ابن جرير عن يزيد بن أبي حبيب أن رجالا كانت أبوابهم في المسجد، فكانت تصيبهم الجنابة ولا ماء عندهم، ولا يجدون ممرا إلا في المسجد، فأنزل الله تعالى: وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ .
وفي هذا جواز مرور الجنب في المسجد لحاجة الإتيان بالماء أو للاغتسال، ولا يجوز لغير حاجة، فقد روى أبو داود من حديث أفلت بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب .
لكن قال الخطابي إن أفلت مجهول، وضعف الحديث به، وتعقبه المنذري في تهذيب السنن، وابن القيم في شرح التهذيب بأنه معروف، وقد وثقه بعض الأئمة .
وقد روى البخاري هذا الحديث في ترجمة أفلت من تأريخه الكبير، ولم يجرح أفلت وسماه بعضهم: فليت ولكنه ذكر أن عند جسرة عجائب وقد رواه ابن ماجه عن أبي الخطاب الهجري عن محدوج الذهلي عن جسرة عن أم سلمة بلفظ: إن المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض . قال في الزوائد: إسناده ضعيف، محدوج لم يوثق، وأبو الخطاب مجهول اهـ.
ويمكن أنه عن جسرة عن عائشة وأم سلمة إن كان ثابتا، ولعل نهي الحائض مخافة تلويث المسجد، فمتى أمن ذلك جاز دخولها المسجد، والحديث قد حسنه الزيلعي في نصب الراية عن عائشة وناقش ما قيل في إسناده من المقال .
وقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (ناوليني الخمرة من المسجد) فقلت: إني حائض. فقال: (إن حيضتك ليست في يدك) .
ثم روى نحوه عن أبي هريرة ولفظه: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد فقال: (يا عائشة ناوليني الثوب) فقالت: إني حائض. فقال: (إن حيضتك ليست في يدك فناولته) . وظاهره أنه طلب منها ثوبا وهو في المسجد فأتت به، ولم يمنعها الحيض، ولعلها أمنت من التلويث، أو اعتبرت أن النهي عن الجلوس فيه.
وأما الجنب فلعل النهي عن دخوله المسجد؛ لأنه محدث حدثا أكبر، والمسجد موضع للعبادة، فلا بد أن يكون محل احترام، فلا يجلس فيه الجنب، وقد ذهب الأئمة الثلاثة إلى منع الجنب من المسجد حتى يغتسل، لقوله تعالى: وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا أي: لا تقربوا أماكن الصلاة.
وذهب الإمام أحمد إلى جواز دخول الجنب المسجد إذا توضأ، وروي عن الصحابة أنهم كانوا يجلسون في المسجد للتعلم وهم جنب إذا توضئوا، ذكر ذلك ابن كثير عند تفسير هذه الآية، وروى ذلك بإسناد سعيد بن منصور عن عطاء بن يسار قال: رأيت رجالا من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة. [وإسناده على شرط مسلم ] .