جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به)    عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
كتاب الروض المربع الجزء الثالث
175321 مشاهدة
تراخي الإيجاب عن القبول

ويصح القبول متراخيا عنه أي عن الإيجاب ما داما في مجلسه؛ لأن حالة المجلس كحالة العقد فإن تشاغلا بما يقطعه عرفا أو انقضى المجلس قبل القبول بطل لأنهما صارا مُعْرِضَيْنِ عن البيع.


يعبر عن هذا بالموالاة, يعني هذه الصيغة فيها الترتيب والموالاة، فالموالاة: كون القبول بعد الإيجاب مباشرة, أو يتراخى عنه ما داما في المجلس؛ يعني: لا يشترط في الموالاة أن تكون الكلمتان في لحظة واحدة، ساعة ما يقول: بعتك بعشرة يقول: قبلت, بل يجوز تأخير القبول ما داما في المجلس, ولو طال المجلس؛ وذلك لما ذكروا أن حالة المجلس كحالة العقد, فيجوز أن يؤخر القبول, فلو قال مثلا: بعتك الدار بمائة ألف, فسكت المشتري وهما في المجلس, قال: قبلت, أو اشتريته, أو وافقت, صح ذلك, وأصبح قبولا بعد إيجاب؛ لأنهما حصل منهما هذا وهما في نفس المجلس. يقول: أنه إذا كان القبول متأخرا متراخيا عنه فإنه يصح ما داما في المجلس, والعادة أنه لا يتأخر, بل ساعة ما يقول: بعتك, يقول: قبلت, وهذا هو الأصل. بعتك الشاة بمائة قبلت، أتبيع لي الشاة بمائة؟ فيقول: بعتكها, فيقول: قبلت، أما إذا قال: بعتكها بمائة, ما داما في مجلس فالأصل أنه ينعقد البيع.
فإنْ تشاغل بما يقطعه بطل؛ يعني: إذا انتقل كلامهما إلى سلعة أخرى إذا كان مثلا يساومك الأرض التي في الرياض - ثم أنت تقول: أبيعكها بخمسين ألفا فلم يقبل، ثم بعد ذلك انتقل, واشتغل معك بمساومة أرضك التي مثلا في المدينة أو في مكة وعلمت أنه لا يريد إلا أرضا واحدة إما هنا وإما هناك ولم تبعه الأرض التي بالمدينة عُرِفَ أن إعراضه عن الأرض التي بمكة دليل على عدم رغبته, اشتغل بما يقطعه. أنت قلت مثلا: بعتك بخمسين ألفا, ولكنه لم يقل قبلت, واشتغل البائع والمشتري بمماكسة وبمعاملة أخرى, بطل الإيجاب الذي أوجبه البائع.
وهكذا لو قال مثلا: بعتك هذه النعجة بمائة, فلم يقل: قبلت, ثم انتقلا إلى مساومة كبش, أو مساومة عنز,انتقلا, بطل الإيجاب الذي في النعجة, وهي الأنثى من الضأن، وانتقلت المساومة إلى الكبش الفلاني, أو إلى التيس, أو العنز ونحوها, فلم يكن باقيا ذلك الإيجاب الذي هو للشاة, اشتغل بما يقطعه فبطل.