جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك.
كتاب الروض المربع الجزء الثالث
175704 مشاهدة
لا بد أن يكون رأس مال السلم معلوما قدره ووصفه كالمسلم فيه

ويشترط أن يكون رأس مال السلم معلوما قدره ووصفه كالمسلم فيه، فلا يصح بِصُبرة لا يعلمان قدرها ولا بجوهر ونحوه مما لا ينضبط بالصفة ويكون القبض قبل التفرق من المجلس.


يقول: لا بد أن يكون الثمن معلوما معلوما قدره؛ كأن يكون مائة أو مائتين، ومعلوم وصفه؛ كأن يكون دراهم أو دنانير يعني العملة التي يُتعامل بها، (معلوما قدره) أي: مقداره بالحساب، ومعلوما وصفه أي: ما يتميز به من بقية الأثمان .
الأصل أن الأثمان هي التي تكون رؤوس الأموال، فرأس مال السلم الأصل أن يكون من النقود، والنقود المعروفة في العهد النبوي: الدراهم من الفضة، والدنانير من الذهب، وفي عهدنا هذا الدراهم من الفضة وتسمى ريالات، ومن الذهب وتسمى جنيهات، فإذا كان معلوما قدره كأن يقول مائة ريال أو ألف، ومعلوما وصفه أنه من الريالات السعودية مثلا أو القطرية أو اليمنية، ويكون ما قام مقام الريال يلتحق به، وهو الأوراق النقدية، فإن لها حكم الريالات، فلا بد إذا كان الثمن من الأوراق النقدية أن يُقبض كله في مجلس العقد، يُعلم وصفه ويتفقان عليه، ويُعلم قدره ثم يحضره المشتري ويسلم ثمنه، يسلم ثمنه في مجلس العقد، ولا يتفرقان إلا بعد التقابض، وذلك حتى لا يكون بيع دين بدين؛ لأنه ورد النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، وتقدم في باب الربا قوله: ولا يصح بيع الدين بالدين فكذلك هنا، وذلك لأن السلم، المسلم فيه لا بد أن يكون دينا، يباع رخيصا بثمن الحاضر، فلا بد أن يكون الثمن حاضرا حتى لا يكون دينا بدين. نعم.