إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
كيف تطلب العلم
18440 مشاهدة
الحفظ

* حفظ القرآن أم حفظ المتون ؟
*الطريقة المثلى لضبط المتون.
* من كان يشق عليه الحفظ!!
* كيفية استحضار المحفوظات.

22- إذا أراد الإنسان أن يطلب العلم، وأقبل على حفظ القرآن الكريم، فهل ترون أن يحفظ معه سواه من المتون والمنظومات ، أم يترك ما سواه إلى حين الفراغ منه؟
يفضل أن يعكف على تحفظ القرآن، ثم مراجعته مرارا، ثم تكراره حتى يرسخ في الذاكرة، مخافة النسيان؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها متفق عليه ولا شك أن الناس يختلفون في قوة الحفظ، وسرعة النسيان، فمن رزقه الله فهما قويا، وذكاء وفطنة، وقوة في الذاكرة، تمكن من حفظ القرآن، وحفظ غيره من المتون جميعا، فله أن يجمع مع القرآن غيره في ابتداء الأمر، ويتعاهد الجميع، ويضيف إلى ذلك ما يستطيعه من الفنون الأخرى قراءة وحفظا وفهما.
وحيث إن الواجب المدرسي على الطالب من صغره قد أصبح ضروريا، فقد علم أن عليه أن يقوم بحل تلك الواجبات التي تفوض عليه، حتى يتجاوز المراحل الدراسية، ولو عاقه ذلك عن مواصلة الحفظ للقرآن أحيانا، ففي إمكان الطالب الحريص أن يدرس في المدارس الرسمية ضحى، وفي حلقات تحفيظ القرآن مساء، ويحضر حلقات العلماء، والمحاضرات التي تقام في المساجد في أوقاتها، ولا يشغله بعضها عن بعض، فإن عجز ذهنه، وضعف عن الجمع بين ذلك قدم الأهم من ذلك، وهو حفظ القرآن، ثم ابتدأ في حفظ الحديث، ثم ما تيسر من المتون العلمية، وإن عجز عن الحفظ اكتفى بالفهم والمطالعة، حتى يفتح الله عليه وهو الفتاح العليم.
* ما رأي فضيلتكم في حفظ المتون لطالب العلم المبتدئ؟
نوصي طالب العلم بالحرص على الحفظ والاستظهار لما تيسر من المتون حسب القدرة والتمكن، ولا بد من تكرار المتن وترديده حتى يستظهره، ثم إن الناس يختلفون في القدرة، فمنهم من يكون سريع الحفظ سريع النسيان، فهذه بهذه، ومنهم من يكون بطيء الحفظ بطيء النسيان، فهذه بهذه، وخيرهم من هو سريع الحفظ بطيء النسيان، وشرهم بطيء الحفظ سريع النسيان، ولكن الغالب أن من حفظ سريعا بدون تكرار فإنه ينسى سريعا، ولقد كان الكثير من الطلاب قديما يكرسون جهودهم في الحفظ، حتى كان أحدهم يقرأ الحديث أو الباب مائة مرة، حتى يرسخ في ذاكرته، ثم بعد ذلك يكررون ما حفظوه.
وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يهتم بحفظ المتون والمختصرات، ولا سيما في أول شبابه، فإن زمن قوة الحفظ من السنة الخامسة حتى الخامسة والعشرين، فهو الزمن الذي ينفتح فيه الذهن، ويتوقد فيه الذكاء غالبا، وهو أيضا زمن التفرغ، وعدم الانشغال بأمور الحياة، ومتطلبات الدنيا، وأمور العيش، وكما قيل: العلم في الصغر كالنقش في الحجر أي أنه يبقى ولا تمحوه الرياح والمطر، ومثل العلم في الكبر كالخط في الماء، وعليه أن يفرغ نفسه من العوائق والأعمال التي تعرقل سيره، ويستعين على الحفظ بالبعد عن مخالطة الناس الذين لا يستفاد منهم، ولا يؤجل الحفظ ويسوف التعلم، وقد كان كثيرا من السلف يؤثرون التغرب والبعد عن الوطن لطلب العلم، حيث عرفوا أنهم مع أهليهم يعتريهم ما يشغلهم عن الحفظ والاستفادة، لكثرة من يجالسهم ويبحث معهم، حتى أن بعضهم لم يتزوج إلا بعد الأربعين من عمره، وقال بعضهم: لا ينال هذا العلم إلا من أغلق دكانه، وضرب بستانه، وبعد عن إخوانه. والقصد من ذلك المبالغة في التفرغ الذي يحصل منه قوة الوعي، وحضور القلب، واجتماع المعلومات، وليس المراد أن يضيع أهله ونفسه ويكف عن التكسب المباح الذي يقي به نفسه، فإن الحاجة والفاقة قد تشغل القلب عن الإقبال على العلم والفهم.
23- ما المتون التي ترون أن يبدأ بحفظها طالب العلم بعد الفراغ من حفظ كتاب الله؟
لقد جهد علماء المسلمين في كل مذهب بكتابة ما فتح الله عليهم من العلوم المفيدة، في فنون متعددة، فمنهم من توسع وبسط الكلام، وأورد ما رآه مفيدا وذا أهمية من العلم الذي اختار أن يكتب فيه، ومنهم من اختصر وأوجز، مقتصرا على الكلام المطلوب الذي يفيد من قرأه مع قصر الوقت، كذلك وجد في كل مذهب متون مختصرة يسهل حفظها، كما وجد متون في العقائد والأصول ونحوها، فنوصي طالب العلم أن يجتهد في حفظ ما تيسر من المتون المفيدة.
ففي العقيدة والتوحيد كان مشايخنا يوصون بحفظ (ثلاثة الأصول)، و(كتاب التوحيد)، و(كشف الشبهات)، وكلها للشيخ محمد بن عبد الوهاب وحفظ (العقيدة الواسطية) لشيخ الإسلام ابن تيمية وحفظ (لمعة الاعتقاد) لابن قدامة وحفظ (سلم الوصول) للحافظ الحكمي فأما كتب عقائد الأشاعرة فإنها لا تخلو من أغلاط ومخالفات، ما عدا (عقيدة الطحاوي )، فهي أقل خطأ.
أما في الفقه فـ(عمدة الفقه) لابن قدامة (وزاد المستقنع) للحجاوي و(دليل الطالب) للشيخ مرعي فقد كان زملاؤنا يحفظون أكثرها.
أما في الفرائض فـ (منظومة الرحبي )، ولو كانت على مذهب الشافعي لكون الخلاف فيها قليلا.
أما في النحو فمتن (الآجرومية)، ومتن (ملحة الإعراب)، ثم (الألفية)، أو ما تيسر منها.
وفي أصول الفقه متن (الورقات) لإمام الحرمين وما تيسر من شروحه.
وفي الحديث متن (الأربعين النووية) ثم (عمدة الحديث) ثم (بلوغ المرام).
وفي المصطلح متن (نخبة الفكر) و(ألفية العراقي) ونحوها.
24- ما الطريقة المثلى لضبط المتون وإتقانها؛ لأنه يلحظ على بعض من حفظ المتون نسيانها بعد زمن؟
لا شك أن النسيان طبيعة الإنسان، ولو لم يحصل له ذلك لتحصل على العلوم كلها في زمن يسير، ومع ذلك فالناس متفاوتون في ذلك، فنوصي طالب العلم أن يكرر المتون عند إرادة حفظها، وأن لا يكتفي بالحفظ السريع، فإن مع التكرار ترسخ المتون في الذاكرة، وتبقى طويلا، كما أن من أسباب بقائها تعاهدها وترديدها مرارا عند خشية النسيان، فقد ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: تعاهدوا هذا القرآن، فهو أشد تفلتا من صدور الرجال من الإبل في عقلها نقول: كذلك يؤمر بتعاهد المعلومات الأخرى، وكذا من أسباب بقاء المحفوظات كثرة الاستشهاد بها، وتطبيقها، والعمل بها عند المناسبة والحاجة، فإن ذلك مما يثبت المحفوظ في الصدور.
25- فئة من طلاب العلم يشعرون بالحماس لطلب العلم ولكنهم يجدون في الحفظ مشقة فهل ترى من طريقة يستعيضون بها عن الحفظ؟
صحيح أن الحفظ التام قد يشق على بعض الناس لعدة أسباب، منها:
كثرة الدروس وتراكمها في وقت واحد، فلا يتمكن الطالب من حفظ المتون كلها، فإن الذهن مكدود، والفهم محدود، فهو لا يقدر على مطالعتها كلها، فضلا عن حفظها، فتراه متفرق البال، مشغول القلب، فيكتفي بالحضور، وسماع ما يسمع من الشرح والإيضاح، مكتفيا به عن الحفظ والمذاكرة، ولا شك أن حظه قليل بالنسبة إلى غيره من أهل الحفظ والاستظهار،- ومن الأسباب- الاعتذار بالصعوبة ومشقة الحفظ، لكثرة المتون، ولما يزاول الفرد من أعمال أخرى تستغرق جانبا من الوقت.
فنوصيهم بالصبر والمصابرة، وتحمل المشقة في مواصلة الطلب والحفظ، فمع الاستمرار والمضي في السير يسهل نيل المراد على حد قول الشاعر:
لأستسهلنَّ الصعاب أو أدرك المنى فمـا انقـادت الآمـال إلا لصـابر

ثم نوصيهم أيضا بالحرص على المتابعة، وملازمة الدروس، وحضور الحلقات، والندوات، فإن ذلك مما يثمر علما جما، مع توالي الأيام والشهور والسنوات، ولو قليلا قليلا، فإن تقييد الفوائد، وإثبات المسائل في الدفاتر، مما يجتمع معه العلم المفيد، فإن ما حفظ قرّ، وما كتب فرّ، وقد قال الشاعر:
العلـم صيـد والكتابـة قيـده قيِّد صيـودك بالحبال الواثقة
فمـن الحماقـة أن تصيد غزالة وتتركهـا بيـن العوالم طالقة

ونوصيهم أيضا بالحرص على الفهم والتعقل لما يسمعونه، والبحث عما أشكل عليهم، سواء مع المدرس أو مع الدارسين، وذلك بالسؤال والاستفهام، حتى يتضح المعنى، كما نوصي بالمذاكرة والمراجعة، وتكرار القراءة، سواء قبل الدرس أو بعده، سواء في الشروح المطولة أو المختصرة، بعد التأكد من تحقيقها، وصحة ما كتب فيها، فإن كثرة القراءة والمطالعة وشغل الوقت بذلك مما يحصل به فوائد كثيرة، مع الاحتفاظ بالوقت عن الضياع.
26- كيف يستطيع الإنسان استذكار واستحضار ما يحفظه من الآيات والأحاديث والأشعار إذا أراد أن يتكلم في موضوع معين؟
متى كان الحفظ قويا، والذاكرة ذكية، استطاع المتكلم استحضار الأدلة التي يجب أن يدلي بها كبرهان على ما يستدل به في مقامه الذي يتكلم فيه، ولكن ذلك يختلف باختلاف الحفاظ والقراء، ثم إن طالب العلم الذي يتذكر تلك الآيات والأحاديث كثيرا، ويأتي بها دائما كدليل على ما يقوله لا شك أنه يسهل عليه استحضارها، وتقرب منه في المرة الثانية وما بعدها، وقد نقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- أنه كان سريع البديهة، ذكي القريحة، متى أراد ذكر آية أو حديث أو أثر لم يتلعثم ولم يقف للتذكر، ولعل ذلك لقوة حفظه أولا، ثم لكثرة استدلاله بتلك النصوص واستعماله لها ثانيا، ونوصي طالب العلم بأن يقرأ في الكتب التي تورد الأدلة على الحكم، ويكثر من قراءتها، ويتمعن في وجه دلالتها، ويحفظ الآية أو الحديث، ويتذكر بعد ذلك النص، وموضع الدلالة منه، حتى يسهل عليه تذكره واستحضاره عند الحاجة إلى ذكره، سواء في خطة ارتجالية، أو تحريرية، أو في موعظة ونصيحة وتذكير، أو في مناظرة ومجادلة مع أحد الخصوم، ليستوفي ما يريده من الأدلة.