المكتبة النصية / مقدمة المؤلف (صاحب المتن)
قال الإمام العلامة أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي التميمي النجدي الحنبلي: بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم. أما بعد: فهذا كتاب مختصر في الفقه، جمعت فيه بين المسائل والدلائل، واقتصرت فيه على أهم الأمور، وأعظمها نفعا، لشدة الضرورة إلى هذا الموضوع، وكثيرا ما أقتصر على النص إذا كان الحكم فيه واضحا؛ لسهولة حفظه وفهمه على المبتدئين؛ لأن العلم معرفة الحق بدليله. و"الفقه" معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بأدلتها من الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح. وأقتصر على الأدلة المشهورة خوفا من التطويل. وإذا كانت المسألة خلافية، اقتصرت على القول الذي ترجح عندي، تبعا للأدلة الشرعية. [مقدمة المؤلف] بدأ رحمه الله بخطبة الحاجة التي وردت في حديث ابن مسعود رضي الله عنه -الذي رواه أهل السنن- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: { إذا كان لأحدكم حاجة فليقل: إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه... } أخرجه أبو داود رقم (2118) في النكاح. والترمذي رقم (1105) في النكاح. والنسائي (6 / 89) رقم (3277). وابن ماجه رقم (1892). وأحمد في المسند (1 / 392، 393) قال الترمذي: حديث حسن. وقال أحمد شاكر (3720): إسناده ضعيف لانقطاعه، ولكن الحديث في ذاته صحيح. وانظر السلسلة الصحيحة للألباني (1 / 276)، والمشكاة (3149). الحديث، وكثير من العلماء يستفتحون بها كتبهم امتثالا لهذا الأمر في الحديث، ويجوز أن يستفتح بغيرها. قوله: (بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، الحمد لله، نحمده،... إلخ): افتتح المؤلف رحمه الله كتابه بالبسملة والحمدلة اقتداء بالكتاب العزيز وعملا بالحديث المشهور: { كل أمر ذي بال لا يبدأ بحمد الله، أو لا يبدأ ببسم الله، هو أقطع، أو أبتر، أو أجذم } انظر تخريجه في شرح الزركشي برقم (841) [قاله الشيخ ابن جبرين]. والمعنى: أنه ناقص البركة. والحمد فسر بتفسيرين: الأول: أنه ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله. الثاني: أنه فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب كونه منعما على الحامد وغيره. وكرر قوله (نحمده) ليأتي بعد الاسم بالفعل؛ لأن الحمد: اسم، ونحمده: فعل. قوله: (ونستعينه) :امتثالا لقوله تعالى: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5] . قوله: (ونستغفره) أي: نطلبه المغفرة التي هي ستر الذنوب ومحو أثرها. قوله: (ونتوب إليه) أي: نرجع إليه خائفين راغبين راهبين، والتوبة هي الرجوع إلى الله. قوله: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا) الاستعاذة معناها : الالتجاء، والاستجارة، والاحتماء، والاعتصام، والاحتراز، أي: نحترز بالله، ونعتصم به، ونستجير به، من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وإذا فيه اعتراف من الإنسان بأنه تصدر من نفسه الشرور والخطايا والسيئات، وأنه لا يعيذه منها إلا الله تعالى. قوله: (من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له): أخذا من قوله تعالى: { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ } [الزمر: 36، 37] . والإضلال: هو إيقاع العبد في الضلال وهو الضياع. والناس إما ضالون، أو مهتدون. والله تعالى أمرنا بسؤاله الهداية بقوله تعالى: { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } [الفاتحة: 6] وحذرنا من طريق الضالين الذين هم النصارى ونحوهم. ثم أتى بالشهادتين وسوف نشرحهما فيما بعد. قوله: (صلى الله عليه وآله وسلم): الصلاة من الله هي : الثناء على عبده في الملأ الأعلى، وهذا هو الصحيح، والصلاة من الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدعاء. واقتصر المؤلف في الصلاة عليه وعلى آله؛ لأن الصحابة يدخلون في الآل، بل الأمة كلهم يدخلون في الآل، وهذا هو القول الراجح، كما يقول الشاعر: آل النبـي هـم أتبــاع ملتـه من كـان من عجم منهم ومن عرب لو لـم يكـن آلـه إلا قرابتــه صلى المصلي على الطاغي أبي لهب فإذا قيل: لماذا لم يذكر أصحابه، حيث قال: صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ نقول: إن أصحابه من آله، بل إن كل أتباعه وأمته المتبعين له من آله، كما قال تعالى: { أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ } [غافر: 46] يعني أتباعه. والسلام دعاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- بالسلامة، وقيل: وسلم مثل قوله: { وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [الأحزاب: 56] أي: سلمهم من الآفات ونحوها. قوله : (أما بعد: فهذا كتاب مختصر في الفقه): كلمة (أما بعد): يؤتى بها للانتقال من حال إلى حال ومن أسلوب إلى أسلوب، وقد وردت كثيرا في الأحاديث. والإشارة في قوله: (فهذا كتاب): إن كان كتبها قبل أن يؤلف الكتاب، فهو يشير إلى ما تصوره في ذهنه، وتخيله بأنه سوف يكون بارزا. وإن كان كتبها بعد ما ألف الكتاب، فتكون إشارة إلى ما ألف. ووصفه بأنه مختصر، أي: قليل لفظه كثير معناه، فعن علي رضي الله عنه قال: "خير الكلام ما قل ودل، ولم يطل فيمل". وقوله: (في الفقه): أي في مسائل الفقه فقط، ولا نتكلم فيها عن غير المسائل الفقهية كمسائل العقائد ونحوها. ومسائل الفقه تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: العبادات. القسم الثاني: المعاملات. قوله: (جمعت فيه بين المسائل والدلائل... إلخ): المسائل هي: الأحكام والوقائع التي تحتاج إلى معرفة حكمها، والدلائل هي: الأدلة، أي: النصوص التي يستدل بها من آية أو حديث. قوله: (لأن العلم معرفة الحق بدليله): إن معرفة المسألة بدليلها هو العلم الصحيح، فالعلم معرفة الحق بدليله، فمن عرف الحق فلا بد أن يسأل عن دليله، حتى يكون على بصيرة من أمره، وحتى يطمئن ويقتنع. قوله: (والفقه معرفة الأحكام الشرعية الفرعية... إلخ): ثم فسر الفقه فقال: (الفقه: معرفة الأحكام الشرعية الفرعية بأدلتها من الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس الصحيح). فقوله: (الشرعية)، أي: التي تؤخذ من الشريعة، وقوله: (الفرعية) يخرج بها الأصولية؛ لأن الأحكام الأصولية تسمى العقائد، وأما الفقه فخاص بالفروع التي هي مسائل العبادات والمعاملات وما أشبههما، فهذه الرسالة مشتملة على فقه الفروع، وقوله: (بأدلتها) أي: البراهين التي يستدل بها، وتؤخذ من المصادر الآتية: 1- الكتاب: أي: القرآن الكريم. 2- والسنة: أي: سنة النبي صلى الله عليه وسلم. 3- والإجماع: أي: ما أجمعت عليه أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنها لا تجمع على خطأ. 4- والقياس: وهو إلحاق الفروع بالأصول إذا اجتمعت في العلة، فلا بد أن يكون القياس صحيحا. قوله: (وأقتصر على الأدلة المشهورة خوفا من التطويل): أي: اقتصرت على الأدلة الصحيحة، خوفا من التطويل، أي: الإطالة، فيخرج الكتاب عن المقصود. قوله: (وإذا كانت المسألة خلافية، اقتصرت على القول الذي ترجح عندي؛ تبعا للأدلة الشرعية): الغالب أنه -رحمه الله- يختار ما رجحه شيخ الإسلام ابن تيمية وقد ذكر أنه يرجح بالأدلة الشرعية، أي: أنه لا يذكر في المسألة قولين، بل قولا واحدا، وهو القول المعتمد عنده رحمه الله.