الموقع الرسمي لسماحه الشيخ

عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين

رحمه الله

المكتبة النصية / العوض الذي يدفع للزوج مقابل الخلع

فإذا كرهت المرأة خُلُق زوجها أو خَلْقَه، وخافت ألا تقيم حقوقه الواجبة بإقامتها معه، فلا بأس أن تبذل له عوضًا ليفارقها. ويصح في كل قليل وكثير ممن يصح طلاقه. فإن كان لغير خوف ألا تقيم حدود الله، فقد ورد في الحديث: { من سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة } رواه أحمد (5 / 277)، وأبو داود رقم (2226) في الطلاق، والترمذي رقم (1187) في الطلاق، وابن ماجه رقم (2055) في الطلاق. وابن حبان (321)، والحاكم (2 / 200)، وقال: صحيح على شرط الشيخين. وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (2706). وذكره الزركشي برقم (2681). . قوله: (فإذا كرهت المرأة خُلق زوجها أو خَلْقه): يعني: إذا كرهت المرأة زوجها لسوء خلقه، كأن يكون حقودًا غضوبًا شديدًا عليها ضرَّابًا لها، أو أنه بذئ اللسان يسب ويشتم ويقذف ويعيب ويتتبع العورات والعيوب ويكثر من التنقيب عليها في أفعالها وينتقدها في كل شيء قليل أو كثير؛ فهذه أخلاق سيئة. وقوله: (أو خلقه)، يعني: إذا كرهت خلقته؛ بأن كان دميمًا أو قصيًرا أو نحو ذلك، حتى ولو كان هكذا قبل أن تتزوجه وهي تعرف ذلك ولكن وقع في نفسها بعد ذلك كرهه ودمامة شكله فكرهته لذلك. قوله: (وخافت ألا تقيم حقوقه الواجبة بإقامتها معه): أي: إذا خافت ألا تقوم بحقوقه الواجبة عليها، بأن قالت: إنني إذا صحبته فإنني سوف أقصر في حقه إن دعاني فإني لا آتيه إلا بتكره، وإن خدمته فإني أتثاقل في خدمته ولا أخدمه الخدمة الواجبة، وإن صحبته فإني أصحبه ونفسي تتقزز منه فلا أحبه. قوله: (فلا بأس أن تبذل له عوضًا ليفارقها، ويصح في كل قليل وكثير ممن يصح طلاقه): أي: إذا كرهت المرأة خلق زوجها، أو كرهت خلقه، أو خافت ألا تقيم حقوقه الواجبة عليها، فإنها في هذه الحال تفتدي نفسها، بأن تبذل له عوضًا ليفارقها وهذا العوض يصح بكل قليل أو كثير، فيصح أن يقبل منها ما تدفعه، سواء دفعت له المهر كله أو بعضه ولو قليلا ثم يخلي سبيلها. وقد اختلف في هذا العوض، هل يكون بقدر الصداق الذي دفعه؟ أم له أن يأخذ منها أكثر من صداقه؟ قال بعض العلماء: له أن يأخذ جميع ما تملك، واستدلوا بهذه الآية: { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } البقرة: 229 فكل ما تفتدي نفسها به ولو افتدت بأموالها كلها ولو بأكثر مما أعطاها مرة أو مرات، حتى قال بعضهم: اخلعها بما دون عفاصها، يعني: شعر رأسها، يعني: حتى لو أخذ كسوتها وتركها عريانة. والقول الثاني: أنه لا يأخذ أكثر مما دفع، وذلك لأنه قد استمتع بها وقد وطئها واستحل من فرجها ما يستحل الزوج من امرأته، فلا يحل له أن يأخذ أكثر من مهره، والدليل قصة امرأة ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، { كانت امرأته يقال لها: جميلة بنت أبي ابن سلول وأخت عبد الله بن سلول فكرهته، فجاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقالت: إن ثابتًا لا أعيب فيه دينًا ولا خُلُقًا، ولكني أكره الكفر في الإسلام. تقول: إنني نظرت إليه مرة يمشي مع قوم وإذا هو أحقرهم وأقبحهم صورة وأقصرهم قامة وأشينهم مشية؛ فوقع في نفسي كراهيته فلا أريده زوجًا، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "ماذا أعطاك؟ " قالت: أعطاني تلك الحديقة، فقال لها: "أتردِّين عليه حديقته؟ " قالت: نعم؛ فقال لثابت: "اقبل الحديقة وطلقها تطليقة" } رواه البخاري رقم (5273، 5274، 5275، 5276، 5277) في الطلاق. وفي بعض الروايات أنها قالت: { أعطية الحديقة وزيادة، فقال: "أما الزيادة فلا" } انظر إرواء الغليل (7 / 103- 104). وانظر شرح الزركشي رقم (2679، 2680). . فمن هذا أخذوا أنه لا يأخذ منها أكثر مما أعطاها. واختلف أيضا هل هذا الفراق يعد طلاقًا أو لا يعد طلاقًا؟ وأكثر العلماء قالوا: لا يعد طلاقًا، فلو كان قد طلقها ثم راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم خالعها بعوض ثم أراد أن يتزوجها حلت له ولو كان ثلاثًا؛ لأن الخلع لا يعد طلاقًا، فلا يحسب من الطلقات؛ لأنه فراق من قبلها فلا يحسب طلقة، واستدل ابن عباس بالآية فقال: إن الله تعالى ذكر الطلقتين: { الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ } البقرة: 229 ثم ذكر الخلع: { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } البقرة: 229 ثم ذكر الطلقة الثالثة بقوله: { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ } البقرة: 235 فدل على أن الوسط الذي هو الخلع لا يعد من الطلاق، ولو صرح بذلك، ولو قال: قد طلقتها، فيسمى هذا فسخًا، ويسمى فراقًا، ولا ينقص به عدد الطلاق. قوله: (فإن كان لغير خوف ألا تقيم حدود الله، فقد ورد في الحديث: "من سألت ... الخ): يقول الله تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ } - يعني: إذا خافت ألا تقوم بحقه، وحدود الله، هي: حقوقه ومحارمه- { فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } البقرة: 229 . فإن كان طلبها الفراق ليس خوفًا ألا تقيم حدود الله ولكن من باب الاستبدال؛ كأنها تقول: أستبدل زوجا بزوج، أو أنها مثلاً عشقت زوجًا غيره ومالت إليه، فصارت تسيء صحبته حتى يفارقها، مع أنه لا ضرر منه، فمثل هذا حرام عليها، فقد ورد في الحديث: "من سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" سبق تخريجه ص 280. والبأس هو: الضرر، فإذا طلبت من زوجها الطلاق أو طلبت الفراق وهو قائم بحقوقها وهو مقيم لحدود الله وحقوقه؛ فإنها قد أذنبت ذنبا كبيرًا، والغالب أن هذا يحدث فجأة ثم تتغير الحال، بحيث إنه يندم أو تندم فلأجل ذلك يقال: لا تستعجل إذا طلبت منك الطلاق؛ بل تمهل إلى أن تتغير الحال، ويقال لها: لا تطلبي الطلاق لأدنى مخالفة، أو لأدنى كلمة تسمعينها؛ فاصبري وتحملي.