الموقع الرسمي لسماحه الشيخ

عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين

رحمه الله

المكتبة النصية / مسألة: إثبات صفة الكلام لله تعالى

  قوله: ( ومن صفات الله تعالى؛ أنه متكلم بكلام قديم، يُسمِعُه من شاء من خلقه ، سَمِعه موسى عليه السلام، من غير واسطة وسمعه جبريل عليه السلام ومن أذن له من ملائكته ورسله، وأنه - سبحانه - يُكلِّم المؤمنين في الآخرة ويكلِّمونه، ويأذن لهم فيزورونه ، قال الله تعالى: { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } [ النساء:164 ] وقال سبحانه: { يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي } [ الأعراف: 144 ] وقال سبحانه: { مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } [ سورة البقرة:253 ] وقال سبحانه: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } [ الشورى:51 ] . ) شرح: هذه من الأدلة على أن الله - تعالى - متكلم ويتكلم إذا شاء، والدليل  قوله تعالى: { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } واضح في أن الله كلم موسى وأنه أسمعه كلامَه، وكذلك قوله تعالى : { مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } يعني: موسى أو يعني مِن الرسل مَن كلمه الله ، وكذلك قوله تعالى: { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } ( الأعراف:143 ) إلى قوله تعالى: { إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي } ( الأعراف:144 ) واضح في أن الله كلَّمه، وأنه اصطفاه، واختصه برسالته، وبتكليمه له ، وأن الله أسمعه الكلام. وقد ذُكر أن أحد الجهمية جاء إلى أبي عمرو بن العلاء - أحد القراء السبعة في العراق - وقال: أريد منك أن تقرأ هذه الآية: { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } ( النساء:164 ) بنصب ( اللهَ )، وقصده أن يكون موسى هو الذي كلم ربَّه، لا أن الله هو الذي كلم موسى يريد بذلك نفي كلام الله لموسى، ولكن أبا عمرو رحمه الله قال له : هَبْ أني قرأت أنا أو أنت هذه الآية هكذا، فكيف تفعل بقول الله تعالى : { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } هل تستطيع أن تغيرها؟ هل تستطيع أن تقدم فيها أو تؤخر؟ فتحير ذلك الجهمي ، وعرف أنه لا حيلة له في تغيير هذه الكلمة. أراد أن يحرفها تحريفًا لفظيًّا، ويجعل الكلام من موسى لا من الله؛ في قوله تعالى: { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } فجاءت هذه الآية التي تبطل تحريفه { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } فقدم الضمير المفعول به، والرب هو المكلِّم - فلم يكن له فيها حيلة. ثم ذكر شيخ الإسلام أن المعتزلة والجهمية تأولوا هذه الكلمة فحرفوها تحريفًا عجيبًا ؛ فقالوا: التكليم: التجريح؛ قال تعالى: { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ } { مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ } ( البقرة:253 ) يعني: جرحه بأظافر الحكمة، وقالوا: إن الجُرح هو الكَلم كما في قوله صلى الله عليه وسلم: { ما من مكلوم يُكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كُلمِ ؛ لونه لون دم وريحه مسك } رواه مسلم في الإمارة برقم (1876). .  فذهبوا مذهبًا بعيدًا، وفسروا التكليم بأنه التجريح - سبحان الله! وهل التجريح شرف ؟ وهل فيه ميزة لموسى ؟ ولماذا اختصه بقوله تعالى: { وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا } بعد ما ذكر أنه أوحى إلى النبيين بقوله تعالى { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ } ( النساء:163 ) لو كان ذلك هو التجريح ما كان فيه فضيلة، كيف يكون جرحه بأظافير الحكمة؟ فإن التجريح عذاب سواءً كان حسيًّا أو معنويًّا، ثم يبطله أيضًا قوله تعالى: { إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي } ( الأعراف:144 ) ولم يقل بتكليمي، والكلام واضح في أنه أراد ما سمعه من كلام الله له، فبطل بذلك تأويلهم. كذلك أيضا قوله تعالى: { وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا } ( الشورى:51 ) ليس المراد أن يجرحه إلا وحيًا، وهل الوحي تجريح بأظافير الحكمة ؟! فعرف بذلك أن التكليم هو الكلام، ولهذا قال تعالى: { أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ } ( الشورى:51 ) يعني أو يْكلِّمه من وراء حجاب كما حصل لموسى . وقوله: ( وقال تعالى: { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ } ( طه:11-12 ) وقال تعالى: { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي } ( طه:14 ) وغير جائز أن يقول هذا أحد غير الله. شرح: من الأدلة أيضًا: آيات النداء، فالنداء لا يعرف إلا بالكلام ، وقد ذكر الله النداء في عدة آيات ، ففي سورة القصص ذكره في ثلاث آيات ؛ قال تعالى: { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ } ( القصص:62 ) { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ } ( القصص:65 ) فالنداء لا يكون إلا بصوت، وبكلام مسموع: قال الله تعالى : { وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ( الشعراء:10 ) وقال تعالى : { هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى } ( النازعات:15-16 ) وفي هذه الآية { فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ } إلى قوله تعالى: { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي } ( طه:11-14 ) وكذلك قوله تعالى: { وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا } ( مريم:52 ) . فلا شك أن النداء كلام مسموع ، فلا بد أن يكون كلام الله الذي تكلم به من الكلام المسموع الذي فهمه موسى ولهذا لما سمع كلام الله سأل النظر إليه، وقال: { رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ } ( الأعراف:143 ) الآية، فدل على أنه سمع كلام الله، ولا شك أن موسى سمع قول الله تعالى: { إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي } ( طه:14 ) من الذي قال هذا لموسى ؟ هل قالته الشجرة ؟! .