الموقع الرسمي لسماحه الشيخ

عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين

رحمه الله

المكتبة النصية / الفرق بين الإيمان والإسلام

 وفي سورة الفتح يقول تعالى : { لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ } (الفتح:4) وفي سورة التوبة يقول الله تعالى : { وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } (التوبة:124) . والحاصل أن هذا دليل واضح على أن الإيمان يزيد وينقص وكل شيء قَبِل الزيادة فإنه يقبل النقصان.  والدين يشمل الإسلام والإيمان، كما في حديث جبريل المشهور الذي سأل فيه عن الإسلام، ففسره بالأعمال الظاهرة، ثم سأل عن الإيمان وفسره بالأعمال الباطنة، يعني لما قرن مع الإسلام الإيمان فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بأعمال القلب، ثم سأل عن الإحسان ، ففسره بالمراقبة والمشاهدة ، ثم أخبر بأن هذا كله من الدين قال (يعلمكم دينكم) وصار الإسلام والإيمان والإحسان كله من الدين. وإذا قلت: هل هناك فرق بين الإسلام والإيمان؟ فيقال : إذا قُرنا جميعاً؛ فإن الإسلام: الأعمال الظاهرة، والإيمان: أعمال القلب، وأما إذا اقتصر على واحد منها، فإنه يعم الجميع. لكن قد يشكل على الإنسان بعض الأدلة مثل قوله تعالى : { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } (الحجرات:14) وقد كثر الكلام حول هذه الآية، ولا إشكال فيها والحمد لله ؛ وذلك لأن هؤلاء الأعراب أسلموا، يعني استسلموا ظاهراً، والإيمان لا بد أن يصير نابعا من القلب، وهؤلاء لم يصل الإيمان الحقيقي إلى قلوبهم؛ فلأجل ذلك قال: { وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } فجعلهم مرتابين، أي في قلوبهم ريب، فأثبت لهم الإسلام، ونفى عنهم الإيمان { قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا } وذلك لأنهم استسلموا ظاهرا وقلوبهم مترددة ، يعبدون الله على حرف، فإن أصابهم خيرٌ اطمأنوا به، وإن أصابتهم فتنة انقلبوا على وجوههم، فهؤلاء نفى عنهم الإيمان؛ لأن الإيمان منبعه من القلب، ويؤثر على الأبدان، يؤثر على السمع وعلى البصر، وعلى اليد وعلى الرجل وعلى اللسان، وهؤلاء إنما أعمالهم ظاهرها أنهم مسلمون، ولكن ليس معهم دافع الإيمان. أما قوله تعالى { فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (الذاريات:35-36) هم لوط وأهله، فلا شك أن لوطًا وأهل بيته ما عدا امرأته جمعوا بين الوصفين، أي: الإيمان والإسلام، الإيمان الباطن والإسلام الظاهر وإن كان أحدهما يكفي عن الآخر . والحاصل أنا إذا رأينا ذكر الإسلام مطلقًا، فسرناه بالإيمان وبالأعمال كلها، وإذا ذُكر الإيمان وحده، فسرناه بالإسلام وبالأعمال كلها ، وإذا ذكرا معا فأحدهما أخص من الآخر، والأعم هو الإسلام، وأخص منه الإيمان، وأخص من الإيمان الإحسان. وقوله: ( وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شُعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان } رواه البخاري في الإيمان برقم (9)، ومسلم في الإيمان برقم (35). فجعل القول والعمل من الإيمان، وقال تعالى: { فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا } [التوبة:124] وقال: { لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا } [الفتح:4] , وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه مثقال برة أو خردلة أو ذرة من الإيمان } رواه البخاري في الإيمان برقم (44)، ومسلم في الإيمان برقم (193). فجعله متفاضلاً. ) شرح: هذه أدلة واضحة الدلالة يستدل بها على أن الأعمال من مسمى الإيمان، وعلى أن الإيمان يزيد وينقص، وعلى أن أهل الإيمان يتفاوتون. فالدليل الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: { الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان } والشعبة هي القطعة من الشيء إذا رأيته متشعبًا؛ في هذا شعبة، وفي هذا شعبة؛ يعني: قطعة، فإذا اجتمع وتواصل صار كله إيمانًا. من هذا الحديث انطلقت أفكار العلماء في ذكر شعب الإيمان، وأخذوا يعددونها ويذكرون ما وصلوا إليه، وأوسع من كتب في ذلك البيهقي له كتاب مطبوع في نحو سبعة مجلدات، اسمه (شعب الإيمان) استوفى فيه ما وصل إليه من الأحاديث التي تتعلق بالإيمان، وكتب في ذلك أيضًا بعض العلماء رسالة مختصرة في شعب الإيمان، أوصلها إلى سبع وسبعين خصلة، بدأها بالتوحيد أخذًا من هذا الحديث " أعلاها قول لا إله إلا الله " وختمها بالأعمال التي فيها نفع للغير ومنها "إماطة الأذى عن الطريق " . وفيما بين ذلك ذكر الصلاة من الإيمان، والزكاة من الإيمان، والتطوعات من الإيمان، والنهي عن المنكر، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وحسن الخلق، ورد السلام وتشميت العاطس، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإكرام الضيف، وإحسان الجوار، والرفق بالمملوك، وأخذ يعدد حتى وصل إلى سبع وسبعين خصلة، أراد بذلك أن يطبق هذا الحديث.     وهذا بلا شك ردٌ صريح على فقهاء الحنفية الذين يجعلون الإيمان هو التصديق فقط، ويجعلون الأعمال خارجة عن مسماه، ويجعلون الإيمان اسما لعمل القلب فقط، أو يقين القلب فقط، ويقولون: إن الأعمال ثمرة من ثمراته، والصحيح أن الأعمال داخلة في مسمّى الإيمان، وأنها من جملة الإيمان كما سماها في هذا الحديث، وقسّم خصال الإيمان وشعب الإيمان .