المكتبة النصية / بيان ذكر النجوم
قال -رحمه الله تعالى- ذكر النجوم. قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } قال: تدور في أبواب السماء كما تدور الفلكة في المغزل. قال: حدثنا نوح بن منصور قال: حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح قال: حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: حدثني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا رحمه الله تعالى يقول: { وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ } قال: النجوم والشمس والقمر قال: كفلكة المغزل قال: وهو مثل الحسبان قال: فلا يدور المغزل إلا بالفلكة ولا تدور الفلكة إلا بالمغزل ولا تدور الرحى إلا بالحسبان ولا يدور الحسبان إلا بالرحى. كذلك النجوم والشمس والقمر في فلك لا يدمن إلا به ولا يدور إلا بهن قال: فنقر بإصبعه، فقال مجاهد يدورون كذلك كما نقر قال: والحسبان والفلك يصيران إلى شيء واحد غير أن الحسبان في الرحى كالفلكة في المغزل كل ذلك عن مجاهد رحمه الله تعالى. قال: حدثنا محمود الواسطي قال: حدثنا عمرو بن أبي عاصم قال: حدثنا أبي قال: حدثنا شبيب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: { فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ } قال: الخنس نجوم يقطعن المجرة كما تجري الفرس { الْجَوَارِي الْكُنَّسِ } يتوارين. قال: أخبرنا أحمد بن عمرو بن أبي عاصم قال: حدثنا أبي قال: حدثنا شبيب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله عز وجل: { وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ } قال: النجم المضيء. قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا جعفر بن مهران قال: حدثنا علي بن عابس عن السدي رحمه الله تعالى في قوله: { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا } قال: هو المشتري وهو الذي يطلع نحو القبلة عند المغرب. قال: حدثنا محمد بن الفضل بن الخطاب قال: حدثنا إبراهيم بن مسعود قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثنا زكريا عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا رأيتم الكوكب قد رمي به وتوارى فإنه لا يخطئ وهو يحرق ما أصابه ولا يقتل. قال: أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا هدبة قال: حدثنا أبو هلال قال: ذكر عند الحسن حر سهيل وبرده؛ فقال: إن سهيلا لا يحر ولا يبرد ولكنه قضاء الله وأمره. قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن زكريا قال: حدثنا سعيد بن يحيى حدثنا مسلم عن عنبسة عن السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال في سهيل: أمرت النجوم بأمر وأمر فخالف فخولف فيه. قال: حدثنا عبد الله بن أسيد قال: حدثنا محمد بن ثواب قال: حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن الحكم قال: لم يطلع سهيل إلا في الإسلام وإنه لممسوخ. قال: حدثنا ابن أسيد قال: حدثنا محمد بن ثواب قال: حدثنا وكيع عن سفيان عن جابر عن أبي الطفيل أن عليا -رضي الله عنه- كان إذا رأى سهيلا سبه وقال: إنه كان عشارا باليمن يبخس بين الناس بالظلم فمسخه الله شهابا. قال: حدثنا إسحاق بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن عمران قال: حدثنا إسحاق بن سليمان عن عمر بن قيس عن يحيى بن عبد الله عن أبي الطفيل رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- { لعن الله سهيلا كان عشارا يعشر في الأرض بالظلم فمسخه الله شهابا } . قال: حدثني عبد الله بن قحطبة قال: حدثنا بشر بن آدم قال: حدثنا الضحاك بن مخلد عن سفيان عن خصيف عن مجاهد رحمه الله تعالى { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى } قال: الكوكب الذي وراء الجوزاء. قال: حدثنا أبو أسيد قال: حدثنا عبيد الله بن جرير قال: حدثنا سهل بن بكار قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: { الغاسق: النجم وهو الثريا } . قال: حدثني عبد الله بن قحطبة قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا بكار قال: حدثنا محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- { شر غاسق إذا وقب قال: النجم الغاسق } . قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: حدثنا أصبغ عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله: { وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ } قال: كانت العرب تقول: الغاسق: سقوط الثريا. وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند وقوعها وترتفع عند طلوعها. قال: حدثنا محمد بن يحيى قال: حدثنا أحمد بن ثابت قال: حدثنا عبد الوهاب الثقفي عن عسل بن سفيان عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ما طلع النجم ذات غداة قط إلا رفعت كل آفة وعاهة أو خفت. قال: حدثنا أبو بكر بن يعقوب قال: حدثنا شعيب الصيرفي قال: حدثنا مصعب بن المقدام قال: حدثنا داود الطائي عن أبي حنيفة عن عطاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- { إذا ارتفعت النجوم رفعت العاهة عن كل بلد } . قال: حدثنا المروزي قال: حدثنا عاصم قال: حدثنا ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن ابن عمر رضي الله عنهما { أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة } قال ابن سراقة: متى ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: طلوع الثريا. قال: حدثنا إسحاق بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن عمران قال: حدثنا يعلى بن عبيد قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن عمير بن سعيد قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أرأيتم هذه الزهرة ويسميها العجم أناهيد؟ كانت امرأة وضاة وكان هذان الملكان يهبطان أول النهار فيحكمان بين الناس ويصعدان آخر النهار، فأتتهما فأرادها كل واحد منهما عن نفسها من غير علم من صاحبه، فقال أحدهما للآخر: يا أخي إن في نفسي بعض الأمر أريد أن أذكره لك. قال: فاذكره فلعل الذي في نفسي مثل الذي في نفسك فأخبره فإذا هما على أمر واحد. فقالت :ألا تخبراني بما تهبطان به إلى الأرض وبما تصعدان به إلى السماء؟ فقالا: باسم الله الأعظم به نصعد وبه نهبط. قالت :ما أنا بمؤاتيتكما الذي تريدانه حتى تعلمانيه. فقال أحدهما لصاحبه: علمها إياه. فقال: كيف لنا بشدة عذاب الله. فقال: إنا نرجو سعة رحمة الله. فعلماها إياه فتكلمت به فطارت به إلى السماء، ففزع منها ملك في السماء فقام ينظر إليها فطأطأ رأسه، قال: أراه فما جلس بعد، فمسخها الله عز وجل فكانت كوكبا. قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا عبد الله قال: حدثنا إسحاق بن سليمان وابن داود عن طلحة عن عطاء رحمه الله تعالى قال: نظر عمر رضي الله عنه إلى سهيل فسبه، ونظر إلى الزهرة فسبها، فقال: أما سهيل فكان رجلا عشارا، وأما الزهرة فهي التي فتنت هاروت وماروت . قال: حدثنا محمد بن زكريا قال: حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد رحمه الله تعالى وأما هاروت وماروت فإن الملائكة عجبت من ظلم ابن آدم وقد جاءتهم الرسل بالكتب والبينات فقال لهم ربهم: اختاروا ملكين أنزلهما يحكمان في الأرض بين بني آدم. فاختاروا هاروت وماروت فكانا يحكمان بالنهار بين بني آدم فإذا أمسيا عرجا، وكانا مع الملائكة، حتى أنزلت عليهما الزهرة في صورة أحسن امرأة تخاصم فقضيا عليها، فلما قامت وجد كل واحد منهما في نفسه فقال أحدهما لصاحبه: أوجدت مثل ما وجدت؟ فقال: نعم. فبعثا إليها: أن ائتينا نقض لك. فلما رجعت قالا لها وقضيا لها: ائتينا في البيت. فأتتهما، فلما بلغا ذلك واستحلا افتتنا طارت الزهرة فرجعت حيث كانت، فلما أمسيا عرجا فزجرا ولم يؤذن لهما ولم تحملهما أجنحتهما. قال: حدثنا أحمد بن الحسين الحذاء قال: حدثنا علي بن المديني قال: حدثنا يحيى بن سعيد قال: حدثنا عبيد الله بن الأخنس قال: حدثني الوليد بن عبد الله بن أبي مغيث عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال: النبي -صلى الله عليه وسلم- { من تعلم علما من النجوم تعلم شعبة من السحر فما زاد زاد } . قال أخبرنا أبو يعلى قال: حدثنا العباس بن الوليد قال: حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة رحمه الله تعالى قال: إن الله تبارك وتعالى خلق هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة السماء، وجعلها يُهتدى بها، وجعلها رجوما للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قلل رأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به، وإن ناسا جهلة بأمر الله تعالى قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة من غرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ومن ولد بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا. ولعمري ما من نجم إلا يولد به القصير والطويل والأحمر والأبيض والحسن والدميم وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذه الطير شيئا من الغيب وقضى: { لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ } ولعمري لو أن أحدا علم الغيب لعلم آدم الذي خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، وأسكنه الجنة يأكل منها رغدا حيث شاء، ونهي عن شجرة واحدة فلم يزد به البلاء حتى وقع بما نهي عنه، ولو كان أحد يعلم الغيب لعلم الجن حيث مات سليمان بن داود عليهما السلام فلبثت تعمل حولا في أشد العذاب وأشد الهوان لا يشعرون بموته فما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته أي: تأكل عصاه { فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } وكانت الجن تقول مثل ذلك: إنها كانت تعلم الغيب وتعلم ما في غد فابتلاهم الله عز وجل بذلك وجعل موت نبي الله -صلى الله عليه وسلم- للجن عظة وللناس عبرة. قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا علي بن سهل الرملي قال: حدثنا الوليد عن أحمد بن محمد بن كريب عن أبيه عن جده كريب أن ابن عباس رضي الله عنهما قال له: يا غلام إياك والنظر في النجوم فإنه يدعو إلى الكهانة. قال: حدثنا محمد بن زكريا قال: حدثنا أبو حذيفة حدثنا سفيان عن منصور عن إبراهيم رحمه الله تعالى { وَعَلَامَاتٍ } قال: هي الأعلام التي في السماء { وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } قال: يهتدون به في البحر في أسفارهم. قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن سعيد قال: حدثنا ابن وهب قال: حدثنا ابن لهيعة عن أبي صخر عن القرظي رحمه الله تعالى قال: ذكر عنده علم النجوم فقال: والله ما في النجم موت أحد ولا حياته. إنما جعل الله عز وجل النجوم زينة ورجوما للشياطين. قال: حدثنا إبراهيم بن محمد قال: حدثنا محمد بن هاشم قال: حدثنا محمد بن شعيب عن عمر مولى غفرة أنه سمع القرظي رحمه الله تعالى يقول: والله ما لأحد من أهل الأرض في السماء من نجم ولكن يتبعون الكهنة ويتخذون النجوم علما. قال: حدثني أحمد بن القاسم عن إسحاق بن إبراهيم شاذان قال: حدثنا عصمة بن المتوكل قال: حدثنا زافر بن سليمان عن عبد الرحمن المحاربي عن عمر بن حسان قال: كان مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه منجم فلما أراد أن يسير إلى النهروان قال: يا أمير المؤمنين لا تسر هذه الساعة التي أمرك فيها فلان فإنك إن سرت فيها أصابك وأصحابك ضر وأذى وسر في الساعة التي آمرك فيها فإنك إن سرت فيها ظهرت وظفرت وأصبت فقال: أتدري ما في بطن هذا الفرس أذكر هو أم أنثى؟ قال: إن حسبت علمت قال: من صدقك بهذا كذب بالقرآن لقد ادعيت علما ما ادعاه محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: { إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ } .. الآية، أتزعم أنك تهدي للساعة التي يصيب النفع من سار فيها وتهدي للساعة التي يحيق السوء لمن سار فيها؟ قال: نعم. قال: من صدقك بهذا استغنى عن أن استعان بالله، وينبغي للمقيم بأمرك أن يوليك الحمد دون ربه عز وجل؛ لأنك هديته للساعة التي يصيب النفع من سار فيها وصرفته عن الساعة التي يصيب السوء من سار فيها، بل نكذبك ونخالفك ونسير في الساعة التي نهيتنا فيها، ثم قال: اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا رب غيرك. ثم قال: أيها الناس إنما المنجم مثل الساحر، والساحر مثل الكاهن، والكاهن مثل الكافر، والكافر في النار. ثم قال: والله لئن بلغني أنك نظرت في شيء من هذه لأخلدنك في السجن ما بقيت، ولأحرمنك العطاء ما بقيت. ثم سار فظفر فقال: لو سرنا في الساعة التي أمرنا فيها المنجم لقال الناس: سار في الساعة التي أمره فيها المنجم فظفر، ما كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- منجم ولا لنا بعده. من آيات الله تعالى: هذه النجوم التي جعلها في السماء. لا شك أنها من الآيات البينات ومن المخلوقات الباهرة التي جعلها عبرة للمعتبرين. ذكر الله تعالى من الحكمة فيها قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } أي: إذا سرتم في الليالي المظلمة فإنكم تهتدون بالنجوم وتعرفون الجهات التي تتوجهون إليها إذا كنتم أهل معرفة بمواقع هذه النجوم. وقد أقسم الله تعالى بمواقعها: { فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } مواقعها التي خلقت فيها والتي هي مسيرة مسخرة. كذلك قال تعالى: { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } فجعلها الله تعالى زينة قال تعالى: { إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ } . فأخبر تعالى بالحكم التي في هذه النجوم: الأولى: أن هذه النجوم زينة للسماء. إذا كانت الليلة مظلمة وأنت في برية ونظرت إلى السماء ونجومها تزهر من هنا ومن هنا عرفت أنها زينة من أفضل الزينة التي جعلت للسماء الدنيا: { وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ } . ثانيا : جعلها الله تعالى علامات يهتدى بها في قوله تعالى { وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } يسيرون في الظلمات في الليالي المظلمة ويعرفون الجهة التي يتوجهون إليها جهة كذا وكذا، فيكون ذلك علامة ودلالة لهم على المقصد الذي يقصدونه ويريدونه حتى لا يضلوا. كذلك جعلها الله رجوما للشياطين، الشياطين الذين يصعدون إلى السماء فيسترقون السمع من الملائكة فيُرجمون كما في قول الله تعالى: { وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ } فإذا رأيتم هذه النيازك وهذه الشهب التي يرمى بها فإنما يرمى بها الشيطان أو الشياطين الذين يسترقون السمع. في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الشياطين والجن يكون بعضهم فوق بعض فإذا سمع أحدهم كلمة من الأمور الغيبية يلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقوها على لسان الساحر أو الكاهن من الإنس ولكن يرجمون بالشهب، فتحرقهم تلك الشهب التي أخبر الله بأنهم يرجمون بها؛ فهي رجوم للشياطين. هذه من الفوائد التي خلقت لها النجوم. ولا شك أيضا أنها عبرة للمعتبرين وأن فيها أيضا معرفة بمنازل القمر؛ ولهذا قال الله تعالى: { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } أي: في كل ليلة ينزل منزلة من ليالي الشهر فتلك المنازل هي منازل من النجوم. يعني: فينزل في الثريا ليلة وفي الليلة التي بعدها في الدبران أو محاذيا للدبران، وفي الليلة بعدها الهقعة، وفي الليلة التي بعدها الهنعة وهكذا، هذه منازل القمر: { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ } . وفي هذه النجوم أيضا منفعة معرفة الحساب ولهذا قال الله تعالى: { الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ } فحسبان: يعني: تعرفون بها الحساب وتعرفون بها المواضع التي تحتاجون إليها، فبها يعرف إقبال الشتاء، وإقبال الصيف وإقبال الربيع أو الخريف، ويعرف أيضا أوقات البذورات إذا طلع هذا النجم علم أنه موسم لغرس كذا وكذا من الأشجار، أو بذر كذا وكذا من النباتات التي قدر الله أنها تنبت في ذلك النجم، ولهذا رخص في تعلم منازل القمر والشمس، منازل القمر، وفي تعلم حسابها وما يستفاد منها الكثير من الأئمة كأحمد بن حنبل وإسحاق وغيرهما. لا شك أن هذا دليل على أن الله تعالى جعل في هذه النجوم آيات وعبرا يعتبر بها أولي الأبصار وأهل المعرفة.