الموقع الرسمي لسماحه الشيخ

عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين

رحمه الله

المكتبة النصية / لا النافية للجنس

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. قال المؤلف -رحمه الله تعالى- باب لا: اعلم أن (( لا )) تنصب النكرات بغير تنوين إذا باشرت النكرة ولم تتكرر (( لا ))؛ نحو: (( لا رجل في الدار )). فإن لم تباشرها وجب الرفع ووجب تكرار (( لا )) نحو: (( لا في الدار رجل ولا امرأة)). وإن تكررت لا جاز إعمالها وإلغاؤها فإن شئت قلت: (( لا رجلَ في الدار ولا امرأة ))، وإن شئت قلت: (( لا رجلٌ في الدار ولا امرأة )). بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد . هذا حرف نفي كلمة "لا" يؤتى بها للنفي، وتسمى حرف نفي بالمنفي. ذكر أنها ملحقة بالنواسخ. النواسخ تقدم أن منها "إنَّ" التي تنصب المبتدأ وترفع الخبر؛ فتكون لا قريبة من النواسخ؛ أنها تنصب المبتدأ وترفع الخبر. إذا كان المبتدأ منكرا؛ نحو: لا رجلَ قائمٌ، مثل: إنَّ الرجلَ قائمُ. ولكن يحتاج إلى تكملة. فإذا باشرت النكرة فإنها تنصب. النكرة هو الاسم الشائع الذي يصلح لأكثر من واحد؛ مثل: "رجل" نكرة. فإذا دخلت عليه الألف واللام أصبح معرفة "الرجل". وأما أسماء الأعلام فإنها لا تسمى نكرات؛ مثل: "خالد وسعيد"، لا يقال لها: نكرات؛ لأنها أسماء لأناس معينين فهي أعلام؛ فلذلك قالوا: "لا رجلَ في الدار"؛ هذا منصوب بـ"لا"؛ لأنها باشرته. المباشرة معناه أنه يلي الحرفَ؛ الاسمُ المنكر يقع بعد "لا" فتنصبه، ولكن لا ينون. وإذا كان غير معين جاز نصبه فيقولون مثلا: "لا طالعا جبلا" أي: لا أحد يطلعه، فهاهنا نُوِّن: لا طالعًا جبلا. وأما إذا لم تباشر "لا"؛ إذا لم تباشر الاسم بل كان بينها وبينه فاصل فإنه يكون مرفوعا: "لا في الدار رجلٌ ولا امرأة"، "لا في الدار أحدٌ". وأما إذا تكررت "لا"؛ فإنه يجوز إعمالها ويجوز إلغاؤها. وقد وردت الأدلة في القرآن على ذلك. فمن النصب قول الله تعالى: { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ } فهذه كلها معملة؛ عملت فيها "لا" فنصبتها. فتقول هذه منفية، "لا" النافية نصبت هذه الكلمات. لماذا؟ لأنها تكررت. وإذا تكررت "لا" جاز النصب وجاز عدمه. عدم النصب هو الرفع. ورد في القرآن في مثل قوله تعالى: { فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } لم يقل "لا خوف َ", "فلا خوفٌ". لماذا؟ لأنها تكررت. ومثله قوله تعالى: { لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ } وأما إذا لم تباشرها؛ فإنه مرفوع بكل حال؛ مثل قوله تعالى: { لَا فِيهَا غَوْلٌ } أي رفعت هاهنا؛ "لا فيها غولٌ". فالحاصل أن "لا" إن كان الاسم الذي بعدها واحد لم يتكرر؛ فإنه يكون منصوبا؛ هذا إذا كان نكرة. وأما إذا كان معرفة فإنه يرفع. إذا قلت مثلا: "لا زيدٌ في الدار". زيد معرفة لأنه مسمى. وأما إذا قلت: "لا رجلَ في الدار"؛ فإنه يلزم نصبه؛ "لا رجلَ". وأما إذا كررت "لا"؛ فإما أن تباشر الكلمة، وإما أن يكون بينها وبينه فاصل. فإن باشرتها فإنه يجوز فيها الأمران؛ يجوز النصب { فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ } ويجوز الرفع { لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ } وأما إذا لم تباشرها؛ بل فصل بين الحرف وبين الاسم بفاصل؛ فليس فيه إلا الرفع "لا في الدار رجلٌ ولا امرأةٌ". إذا تكررت وفصل بينها فاصل؛ "لا في الدار رجلٌ ولا امرأةٌ". وأما إذا كان منكرًا؛ المحكي عنه فإنه يجوز نصبه؛ فيقولون: "لا طالعا جبلا"، أو يقولون مثلا: "لا حاضرًا زيد ". وبهذا يعرف أنها تعمل عمل "إنَّ". ولذلك يقول ابن مالك: عمـل "إنَّ" اجعل لـ "لا" في نكـرة مـفـردة جـاءتـك أو مـكـررة أي اجعل عمل "إنَّ" لها سواء كانت مفردة "لا رجلَ قائم"، أو مكررة "لا رجلٌ أو لا زيدٌ في الدار ولا عمرو "، "لا زيدًا حاضر ولا عمرا "، فبكل حال فالأصل أنها إنما تعمل في النكرة، ولا تعمل في المعرفة، هذا عمل النصب. وعرفنا أنها حرف نفي، أنه يقصد بها النفي؛ وتسمى النافية للجنس. نافية لجنس ذلك الذي دخلت عليه. إذا قيل: "لا رجلَ في الدار"؛ نفت الرجال أي تنفي وجود رجل. وإذا قيل مثلا: "لا طالبَ حق" نفت من يطلب الحق ولم تنف غيره. وإذا قيل مثلا: "لا حقَ لك في هذا المال" نفت الحق. وإذا قلت مثلا: "لا صلاةَ إلا بطهور" نفت جنس الصلاة. ومثله الحديث { لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد } ؛ نفي جنس الصلاة. وكذلك قوله: { لا صلاة بحضرة طعام } ؛ نفي لجنس الصلاة. وكذلك قوله: { لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله } { لا صلاة إلا بوضوء } ؛ نفي لجنس الصلاة بغير وضوء. هذا ما تدل عليه هذه الكلمة.