الموقع الرسمي لسماحه الشيخ

عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين

رحمه الله

المكتبة النصية / تفسير قوله: وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ

............................................................................... لما كان بنو إسرائيل في التيه هذه الأربعين سنة أصابهم العطش؛ فشكوا إلى موسى فأوحى الله إليه { أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ } فضربه. { فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا } وشكوا له من حر الشمس فظلل الله عليهم الغمام يقيهم حر الشمس، وشكوا له من الجوع فأنزل الله عليهم المن والسلوى كما تقدم في سورة البقرة. وكما هو مذكور هنا في سورة الأعراف { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُُ } أوحى الله إلى نبيه موسى حين استسقاه قومه. الإيحاء في لغة العرب هو كل إلقاء للشيء في سرعة وخفاء؛ فهو إيحاء، هذا معناه اللغوي. والوحي له معنى لغوي ومعنى شرعي غيره من المعاني. فالوحي الشرعي معروف وهو ما يوحي الله لنبيه بواسطة الملك مثلا. ربما أوحى إلى النبي بغير واسطة، كما أعطى نبينا صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء الصلوات الخمس، وخواتيم سورة البقرة؛ فظاهر حديث ابن مسعود عند مسلم أنه من غير واسطة الملك. وقد يكون الوحي بواسطة الملك وهو على أنحاء كثيرة معروفة. وأصل الإيحاء في لغة العرب هو كل إلقاء جامع بين الخفاء والسرعة، تسميه العرب وحيا. فكل من ألقى شيئا بخفاء وسرعة؛ فهو وحي في كلام العرب؛ ولأجل ذلك كانت العرب تطلق اسم الوحي على الكتابة وعلى الإشارة وعلى الإلهام؛ لأن كلا من هذه إلقاء في سرعة وخفاء. فيطلقون الوحي على الإلهام ومنه قوله تعالى: { وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ } ؛ أي ألهمها. ويطلق الوحي على الإشارة وهو أصح القولين في قوله عن زكريا { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا } ؛ أي أشار إليهم. وتطلق العرب الوحي على الكتابة؛ لأنها معان تلقى بأفعال سريعة خفية. وإطلاق الوحي على الكتابة إطلاق كثير مشهور في كلام العرب. وكان بعض المفسرين يقول منه قوله في زكريا { فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ } ؛ أي كتب لهم، والأظهر الإشارة كما يدل عليه قوله: { إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا } وإطلاق العرب الوحي على الكتابة مشهور جدا في كلامها، كثير جدا في أشعارها، ومنه قول لبيد بن ربيعة في معلقته: فمدافع الريـان حريـة عري رسمهــا خلقا كما ضمـن الوحي سلامهـا الوُحيَّ جمع وحي وهو الكتابة، وهو "فَعْل" مجموع على "فُعُول" كفلس وفلوس. ومنه قول عنترة كوحـي الصحـائف مــن عهــد كسرى فأهداهـا لأعجـم قنطــني وقول نابغة ذبيان دار لأسمـاء بالغمـرين ماثلــة كالوحي ليـس بها مـن أهلهـا أرم وقول نابغة ذبيان أيضا: لمن الديـار غشيتهـا بالفدفــد كالوحي في حجـر المسـير المخلـد ومنه قول ذي الرمة سوى الأربع الدهم اللـواتي كأنهـا بقية وحي فـي بطـون الصحـائف وقول جرير كأن أخ الكتــاب يخـط وحيــا بكـاف فــي منازلهــــا ولام وهو كثير مشهور. هذا معنى قوله: { وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى } نبي الله موسى بن عمران { إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُُ } حين استسقاه قومه. والمقرر في فن التصريف أن "استفعل" من أبنية الطلب؛ لأن السين والتاء تدلان على الطلب؛ فاستسقى معناه طلب السقيا، واستطعم طلب الطعام، واستنزل طلب النزول إلى غير ذلك. { إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُُ } طلبوا منه السقيا أن يسأل الله لهم فيسقيهم.